تغير عظيم قادم إلى العالم، تغيير على عكس أي شيء شهدته البشرية ككل من قبل — تتلاقى جميع الموجات العظيمة من التغيير في هذا الوقت. لقد أثرت البشرية على العالم بعدة طرق، ونتائج هذا التأثير تتجمع الآن — تجمع القوة، وتجمع الشدة، وتتقارب في وقت تكون فيه البشرية غير مدركة وغير مستعدة إلى حد كبير.
هذه الأمواج العظيمة ليست حدثاً وحيداً. إنها ليست شيئاً وحيداً بسيطاً يحدث في وقت واحد فقط، لأن البشرية قد حركت قوى التغيير الآن والتي يجب أن تتعامل معها بشكل مستمر. لأنكم تعيشون الآن في عالم تتناقص فيه الموارد، عالم تأثر مناخه بشكل خطير، عالم تتدهور حالته الإيكولوجية، عالم سوف تضطر فيه البشرية إلى مواجهة احتمالات النقص العظيم في الغذاء والماء ومخاطر المرض والأوبئة على نطاق واسع للغاية، حتى أنها سوف تؤثر على الدول الغنية في العالم. لقد انقلب التوازن الآن وتغير، ويجب على الأسرة البشرية ككل أن تتحد وتتجمع معاً للتعامل مع هذه التحديات العظيمة.
في عالم يتزايد فيه عدد السكان باستمرار والموارد تنحسر، سوف تواجه البشرية قراراً عظيماً، وهو خيار أساسي في أي اتجاه تسلكه. هل تتنافس الدول وتتحدى بعضها البعض على الموارد المتبقية؟ هل يقاتلون ويتصارعون على من سوف يسيطر على هذه الموارد ومن سوف يكون له الوصول إلى هذه الموارد؟ في الواقع، كانت جميع الحروب العظمى في الماضي المضطرب للبشرية صراعاً، بشكل أساسي، على الوصول إلى الموارد والسيطرة عليها.
في عالم لم تزل أعداد السكان فيه تنمو والموارد فيه تنحسر، فإن البشرية أمام مواجهة قرار عظيم، اختيار جوهري للإتجاه المتبع: هل تتنافس الدول وتتحدى بعضها البعض على الموارد المتبقية؟ هل تتقاتل الدول وتتصارع من أجل تحديد من الذي سوف يتحكم بهذه الموارد ومن الذي سوف يمتلك صلاحية الوصول إليها؟ حقاً، إن جميع الحروب العظيمة من ماضي البشرية المضطرب كانت، بالأساس، عبارة عن تصارع من أجل امتلاك صلاحية الوصول إلى تلك الموارد والتحكم بها.
هل سوف تصر دول العالم الثرية على وجوب الحفاظ على نمط معيشتها، وبناء على ذلك الدخول في منافسة وصراع مع بعضهما البعض مما يزيد تفكك بقية العالم، سالبة الشعوب الأفقر في العالم قدرتها في الإبقاء على حياتها فقط، كي تتم المحافظة على نمط ما من أنماط المعيشة المنغمسة أو الفخمة في الدول الثرية؟
إذا اختارت البشرية هذا المسلك، فإنها ستدخل حقبة من الصراع الممتد والاضمحلال المستديم. وبدلاً من الحفاظ على الموارد المتبقية وتقسيمها، وبناء قدرة التأقلم على حالة العالم الجديد، ستدمر البشرية ما تبقى، تاركة نفسها للفقر والحرمان، مع خسارات هائلة للحياة البشرية، ومع تقديرات محبطة ومهلكة عن المستقبل.
ولكن إذا اختارت البشرية مساراً مختلفاً، مدركة طبيعة الأخطار الكامنة والمرتبطة بمواجهة هذه الموجات العظيمة من التغيير، مدركة مدى خطورة واقعها وما تحمل معها من العواقب العظيمة على المعيشة وعلى مستقبل البشرية، فإن العقلاء من الأفراد ومن القادة في الدول والمؤسسات الدينية سيدركون أنه في حال انقسمت البشرية، فإنها ستفشل أمام الموجات العظيمة من التغيير، ولكن في حال اتحدت البشرية، فإنها ستتمكن من رسم منهجية جديدة، والاستعداد لصدمات الموجات العظيمة من التغيير، والإعداد المنهجي للشروع في تعاون أعظم واتحاد أعظم، أعظم من أي تجربة شهدتها البشرية مجتمعة في أي وقت مضى. ولن يولد هذا الأمر، بسبب المبادئ الدينية أو بسبب الأخلاقيات العالية، وإنما بسبب الضرورة المحضة ذاتها.
فما الذي تستطيع أي دولة من الدول، أو تأمل في تحقيقه بمفردها، في حال انغمس العالم في الصراع والحرمان؟ إن دول العالم الآن مرتبطة ببعضها البعض إلى حد كبير، ولا يبدو أن ثمة وسيلة لاختيار مسار الحرب والصراع، من دون أن يطال الخراب والحرمان كل إنسان في هذا العالم.
متحدين، ستكون لديكم فرصة عظيمة، وبالانقسام سوف تفشلون وفشلكم سوف يكون طويل الأمد، و سوف يكون فشلكم باهظ الثمن — أعظم من أي حرب حصلت على الإطلاق في هذا العالم، أكثر فجعاً من أي صراع بشري عرف من قبل.
إن خياراتكم قليلة، ولكنها أساسية. وإن هذه الخيارات يجب ألا تصنع بوساطة قادة الدول والمؤسسات الدينية فحسب، وإنما بوساطة كل مواطن. يجب على كل الأفراد أن يختاروا ما إذا كانوا سيقتتلون ويتنافسون، أم سيقاومون الموجات العظيمة من التغيير، أم سيتصارعون مع أنفسهم ومع الآخرين من أجل الإبقاء على نمط حياة تمسكوا به، أم أنهم سوف يستدركون الخطر العظيم ويتحدوا فيما بينهم، كي يبدؤوا بالاستعداد للصدمة، وكي يبنوا مستقبلاً من نوع جديد ومختلف للأسرة البشرية؟
لأنكم لا تستطيعون الإبقاء على الطريقة التي تعيشون بها الآن. تلك الدول الغنية، أولئك الناس الأثرياء، أولئك الذين قد اعتادوا على رغد الحياة، والذين يشعرون بأن هذا الأمر ليس فقط مجرد حق من حقوقهم، بل هو استحقاق من الرب ومن الحياة، يجب على أولئك أن يكونوا على استعداد ليغيروا طريقة معيشتهم، ليعيشوا حياة أبسط بكثير من ذي قبل، ليعيشوا حياة أكثر عدلاً وإنصافاً من ذي قبل، إذ سيتطلب هذا الأمر مشاركة الموارد المتبقية.
سيتوجب على الأغنياء أن يعتنوا بالفقراء، وسيتوجب على الفقراء أن يعتنوا ببعضهم البعض، وإلا فإن الفشل سيواجه الجميع، أغنياء وفقراء على حد سواء. سوف لن يكون هناك فائزون في حال فشل الحضارة البشرية. سوف لن تكون هناك دول عظمى. سوف لن تكون هناك قبيلة عظمى، أو مجموعة عظمى، أو هيئة دينية عظمى، إذا ما فشلت الحضارة. ولذلك، فإن الموجات العظيمة من التغيير تمتلك القوة لقيادة الحضارة البشرية نحو الفشل. هذه هو كيف سيكون طول مدى وقعها.
لذلك، إن التحدي العظيم الأول الذي يواجهك، يكمن في مواجهة ذلك التحدي العظيم، من دون الإصرار على حلول، ومن دون الكفاح ضد حقيقة ما تعرفه وما تراه، ومن دون ملامة الآخرين أو الاعتماد على أشخاص آخرين للاعتناء بالمشكلة نيابة عنكم يجب على كل الأفراد تحمل المسؤولية في كيفية معيشتهم، وكيفية تفكيرهم، وماذا يفعلون، ومسؤولية القرارات التي أمامهم اليوم، والقرارات التي سيتوجب عليهم مواجهتها في المستقبل. إن كل الأفراد، خصوصاً بالنسبة إلى أولئك في الدول الثرية، سيتوجب عليهم إعادة النظر في مكان معيشتهم، وفي كيفية معيشتهم، وما هو نوع عملهم الذي يعملون به، وكيفية كسبهم للرزق، وكيفية استخدامهم لموارد العالم، وكيفية استخدامهم للطاقة — وجميع هذه الأمور.
مما لا ريب فيه، أنه ليس هو الوقت لتكون متناقضاً أو مغروراً بنفسك. بالتأكيد، أنه ليس هو وقت الظن أو مجرد التفكير بأن قادة الحكومات هم من سيتوجب عليهم الاعتناء بالمشكلة بالنيابة عنك، لأنه أنت من سيتوجب عليه الآن النظر في حياته وفي أوضاعه.
إن الأمر ليبدو، كما لو أنه قد حان موعد استحقاق السداد. فمنذ أمد بعيد كانت البشرية وما زالت تسرف وتقترض من ورثها من الطبيعة، مؤجلة سداد العواقب طوال هذه الفترة، والآن قد حان موعد استحقاق السداد. الآن، حيث تظهر العواقب بكل قوتها، وهناك الكثير منها.
الآن هو وقت الحساب، لتحاسبوا ما خلقتم، لتحاسبوا موقفكم، لتحاسبوا أوضاعكم، يجب عليكم محاسبة ما تخلقون لأنفسكم في هذا العالم. فلقد أهدرت البشرية موروثاتها الطبيعية. هذا العالم الوافر، هذا العالم البديع الذي قد وهبه الخالق الذي خلق الحياة كلها ومنحها للبشرية ليشكلوا عالمهم الخاص، قد تم سلبه وتبديده وإضاعته من خلال الجشع، من خلال الفساد، من خلال الحرب والصراع، من خلال السلوك غير المسؤول، من خلال انعدام الوعي والجهل — وأما الآن فقد ابتدأ وقت ظهور العواقب. فهذه ليست مجرد احتمالية بعيدة أو مسألة لبضع أجيال مستقبلية.
هذا هو العالم الذي كنتم قد جئتم لخدمته. هذا هو العالم الذي قد خلقتموه. هذه هي الأوضاع التي تواجهكم الآن. وجب عليكم مواجهتها. وجب عليكم تحمل المسؤولية، أنكم قد لعبتم دوراً صغيراً في خلقها. ويجب عليكم تقبل هذه المسؤولية من دون خجل، إلا أن المسؤولية قائمة رغم ذلك. فلا مكان للفرار والاختباء من مواجهة الموجات العظيمة من التغيير. لا تستطيعون ببساطة حزم حقائبكم والانتقال إلى الريف أو البحث عن مكان ما للاختباء، ريثما تهدأ العاصفة، كلا، هذه العاصفة ستبقى إلى أمد بعيد، ولا مفر منها.
فقط المعرفة الروحية التي في داخلك، الذكاء الأعمق الذي قد غرسه الرب في داخلك، هي التي ستعرف كيف تتعامل مع هذه الأوضاع ومع التغيير الهائل الذي ينتظر البشرية. فقط هذه المعرفة الروحية الأعمق، هذه المعرفة الروحية المقدسة، التي قد غرسها الرب في داخلك، ستعرف كيف تجتاز الأوقات الصعبة التي تقف أمامكم، ستعرف كيف تبحر في المياه المضطربة، لأن مياهاً مضطربة سوف تكون بانتظاركم.
لعلكم قد اعتدتم على أن تكونوا مطمئنين البال حيال مشاكل العالم العظمى. لعلكم قد عزلتم أنفسكم عنها بما يكفي، حتى أصبحت تبدو في منأى عنكم، حتى أصبحت لا تبدو بأنها مشكلة بالنسبة إليكم. وكأنها تبدو مشكلة شخص آخر، مشكلة في دولة أخرى، مشكلة يتوجب على أناس آخرين مواجهتها والتعامل معها. لكن مثل هذه العزلة الآن قد انتهت. إنه من الغير ممكن بأن لا تتأثر أثراً بالغاً بسبب الموجات العظيمة من التغيير. إنه من الغير ممكن بأن لا تغير هذه الأمواج من أوضاعك، بل لربما دراماتيكياً.
ففي الأساس، ليس بمقدوركم تغيير ما هو آت الآن، ولكن بمقدوركم الإعداد له. بمقدوركم التأقلم معه. بمقدوركم تسخير هذه الأوضاع للمساهمة في تحسين معيشة الناس. حقاً، بالفعل إن هذا هو سبب مجيئكم إلى العالم. فالحقيقة من المستوى الأعظم، من وراء نطاق أفكاركم ومعتقداتكم، أنكم قد جئتم في مهمة إلى العالم، أنكم هنا لهدف، وأن الرب قد أرسلكم إلى العالم لخدمة العالم، تحت ظل نفس هذه الأوضاع التي تدنو الآن منكم.
لذلك، فبينما قد تستجيب عقولكم بدافع الخوف العظيم أو الهلع، بدافع الغضب والسخط، فقد يكون اضطرابكم هائلاً وحيرتكم عظيمة. قد تشعرون بقلة الحيلة والهوان في وجه مثل هذه التحديات العظيمة. ولكن في داخل أعماقكم، على مستوى المعرفة الروحية، حسناً، هذا بالفعل هو وقتك. هذا هو الوقت الذي ستتبين لك فيه حقيقة النداء العظيم. هذا هو الوقت الذي سيستدعي هداياك الأعظم، إذ أنك لا تستطيع استدعائها بنفسك. يجب أن يتم استدعائها من داخلك. ويجب أن يأتي النداء من العالم. لا تستطيع أن تشرع نفسك في حال كان هذا النداء نداء خالصاً. لا تستطيع أن تشرع حياتك الجديدة بنفسك في حياة أعظم. فلا بد من أن يأتي النداء من وراء نفسك — النداء الذي سوف يخرج هداياك منك، النداء الذي سوف يدخلك في حالة عقلية أعظم ووعي وفي مكان عظيم من المسؤولية.
من دون هذا النداء، سيفضي بكم الحال ببساطة، إما إلى الإنكار ومحاولة النسيان والبقاء في الجهل والحماقة، أو إلى الاقتتال والتصارع من أجل الحفاظ على أي من الاستحقاقات التي تشعرون بأنها حق لكم أو أنها ما زالت تحق لكم. سوف تتصرفون بدافع الخوف والغضب. سوف تنهالون على الآخرين بالهجوم اللاذع. سيكون خوفكم صاعقاً واضطرابكم هائلاً. سوف تؤمنون أن شيئاً ما سوف ينجيكم، أو أن هنالك حلاً ما في الأفق سينهي هذه المشاكل جميعها. إنكم لن تبصروا ولن تعرفوا ولن تستعدوا. وعندما تأتيكم الأمواج العظيمة، لن تكونوا مستعدين وسوف تكونوا معرضين للخطر.
بالتأكيد، لقد رأيتم أن الطبيعة عديمة الرحمة لمن لم يكن مستعداً. إن الطبيعة لا تظهر أي رحمة لأولئك الذين هم ليسوا على استعداد للأحداث الطارئة. يريد الرب تخليصكم من الفشل والصراع والخصام. لهذا السبب كانت قد غرست المعرفة الروحية في داخلكم. إن الرب يعلم ما هو مقبل على الأسرة البشرية. ولكن الناس ما زالوا عمياً ومستمرين حماقتهم وانغماسهم في ذاته. إن الرب يعلم أنكم إذا لم تعدوا أنفسكم، وإذا لم تصبحوا أقوياء مع المعرفة الروحية، وإذا لم تسمحوا باستخراج هداياكم من داخل أنفسكم، وإذا تشبثتم بحياة قديمة، بمجموعة من الآراء والافتراضات القديمة، فإنكم ستفشلون، وإن فشلكم سيكون مريعاً.
ومع ذلك، فإن المعرفة الروحية في داخلكم جاهزة للاستجابة. فهي ليست خائفة من الأمواج العظيمة. في الحقيقة، لقد كانت مستعدة لها طوال الوقت. لأن هذا هو مصيركم. وإنكم لم تأتوا إلى العالم فقط لكي تكونوا مستهلكين، فقط كي تشغلوا حيزا من الفراغ، فقط كي تزيدوا من تفكك العالم وتستنفدون موارده. ليس هذا هو سبب إحضاركم إلى هنا، وإنكم لتعرفوا في قلوبكم أن هذا هو الحق. إلا أن ما تعرفون إنه حقيقي وما تظنون أنه حقيقي ليسوا نفس الشيء. ويجب عليكم إذاً المحاذاة مع المعرفة الروحية وتعلم طريقة المعرفة الروحية واتباع الخطوات إلى المعرفة الروحية، كي تصبح المعرفة الروحية هي قائدكم ومستشاركم.
سوف تكونون في أمس الحاجة إلى هذا اليقين الداخلي، فمن حولكم سوف يكون الاضطراب والغضب والصراع، وذلك عندما يحرم الناس، عندما يشعر الناس بالتهديد، عندما يكون الأمن تحدياً للناس في كل مكان. سوف ترون أفرادا وجماعات يستجيبون بدافع الغيظ والسخط. سوف ترون دولاً تهدد بعضها البعض، وهذا ما يحدث الآن بالفعل. وأما بالنسبة إلى الصراعات العظيمة التي ستظهر والخطر العظيم في قيام الحرب، فسوف تغطي جميعها بأقنعة السياسة والدين، بينما حقيقة الأمر أن الصراع هو صراع على الموارد. من الذي سيمتلك هذه الموارد؟ ومن الذي سيتحكم بهذه الموارد؟
إن مثل هذه الصراعات قد بدأت بالفعل وإنها تسير في مسارها. وإن مشهد الصراعات العظمى، والحروب العظمى، ينمو مع مرور كل يوم. فهنالك نار تشتعل سلفاً في العالم، وإن جمرات النيران التي ستشعل الصراع الأعظم قد باتت موقدة، وقد تهيأت الظروف لظهورها.
بالتأكيد، إن أردتم أن تكونوا محميين وأن تستفيدوا من التغيير العظيم القادم، فلا يمكنكم البقاء على مكانتكم الحالية، وعلى طريقتكم الحالية في التفكير، وعلى افتراضاتكم الحالية. يجب أن يكون هنالك تحول عميق في أعماقكم، هذا التحول الذي سيحدث عن طريق ظروف العالم وأيضاً عن طريق ظهور المعرفة الروحية في أنفسكم. لا يمكنكم البقاء على ما أنتم عليه من الناحية العقلية والنفسية والعاطفية، وأن يكون لديكم أمل حقيقي في البقاء والاستفادة من هذا التغيير العظيم القادم.
هذا هو الإنذار العظيم الذي تقدمه الرسالة الجديدة. موجات عظيمة من التغيير آتية إلى العالم، والبشرية تواجه الآن منافسة من وراء نطاق العالم — تدخل من أعراق آتية من وراء العالم تسعى إلى انتهاز بشرية ضعيفة ومنقسمة، تسعى إلى الاستفادة من هبوط الحضارة البشرية. تقدم تعاليم الرسالة الجديدة هذه الحقيقة بكل وضوح. وإنه ليس من الصعب فهمها فقط عندما تخفض دفاعاتكم، حالما تضعون تفضيلاتكم جانباً، حالما تنظرون بأعين صافية وتنصتون إلى العالم لتبصروا وتعرفوا.
إلا، أن اللافت للنظر، أن منطقاً بسيطاً كهذا بات غير منطقي لدى الناس. قد خسر الناس أنفسهم فيما يريدونه أو فيما يخافون خسارته. قد خسروا أنفسهم في نزاعاتهم، وفي شكاواهم، وفي تصارعهم بين أنفسهم وبعضهم البعض. ولهذا، فإن ما هو واضح وطبيعي أن يُرى، ويُعرف، ويُعمل به أصبح ضائعاً — مكسوا بإنشغال الإنسان، ورغبات الإنسان، وصراع الإنسان.
حقاً، لقد اقتربت البشرية الآن من عتبة عظيمة التي ستحدد مصيرها ومستقبلها. ودليل هذا في كل مكان من حولك، لعلك كنت قادراً على الشعور به في داخل نفسك. إحساس القلق، الارتياب، الاضطراب، الهم. إن العلامات في العالم تتحدث إليك — تخبرك بأن هناك تغييراً عظيماً يقترب، إنه عند عتبة بابك.
تستطيع أن تشعر بهذه الأمور، لو سمحت لنفسك الشعور بهذه الأمور — من دون محاولة الاختباء أو الفرار، من دون الإصرار على أن تكون سعيد وهادي البال، من دون المطاردات الحمقاء التي تبقي عقلك منهمكاً ولاهياً من أجل ألا تنصت للعلامات التي يقدمها العالم ولنداء العالم وتأثير المعرفة الروحية في داخل نفسك.
هذا هو وقتك. هذا هو سبب مجيئك. هذه هي الأحداث العظيمة لوقتك. هذه هي العتبة العظيمة التي تواجهه البشرية، لأنه يجيب عليك الآن الإعداد لمستقبل لن يكون مثل الماضي. لن تستمر الحياة كما عرفتها، بلا انقطاعات. لن تكتشف البشرية ببساطة مصادر أخرى للطاقة أو بعض الحلول السحرية للحفاظ على امتيازات القلة.
لأنكم تعيشون في عالم قد دخل طور التدهور. تلك الموارد التي تعطي دولكم الثراء والأمن والاستقرار قد بدأت الآن بالتناقص. سوف تتعرض البيئة التي تعيشون فيها إلى مزيد من الضغط من خلال الانحلال البيئي، ومن خلال تقلب وتغير المناخ، ومن خلال العديد من الصدمات التي كانت قد أحدثتها البشرية منذ أمد بعيد على العالم نفسه.
وبناء عليه، فإنكم تقفون على شفا جرف. هل سوف تختارون البقاء على الجهل وهل سوف تتقاتلون وتتصارعون عندما ينهار بكم جهلكم وعندما ينهار بكم إنكاركم في نهاية المطاف؟ أم أنكم ستختارون سبيل الشجاعة والحكمة من أجل الإعداد لهدية الرب العظيمة، ألا وهي المعرفة الروحية، والسماح لها بأن تهديكم وبأن توجهكم؟
إنه من أجل معرفة معنى هدية الرب العظيمة، يجب عليك رؤية حجم وعمق التحدي الذي تواجهه البشرية. يجب عليك الشعور بالحاجة في داخل نفسك، والتسليم بأنك، كفرد، لا تمتلك إجابة، وأن دولكم وخبراءكم وعلماءكم ليس لديهم حقاً إجابة. إنهم يملكون إجابات لأجزاء من المشكلة. إنهم يعملون من أجل تنبيه وإعداد البشرية، لكن البشرية بعيدة الآن كل البعد في استعدادها للموجات العظيمة من التغيير. الساعة متأخرة، وأنتم لستم مستعدين.
يجب عليك أنت، إذاً، أن تشعر بالحاجة الحقيقية في داخل نفسك حتى تستجيب إلى هدية الرب العظيمة التي يهبها الرب لكم الآن — إنها هدية ليس كمثلها أي شيء استقبلته البشرية من قبل على الإطلاق— لأن البشرية تواجه الآن تحدياً وأزمة ليس كمثلهما أي شيء تعرضت له البشرية من قبل على الإطلاق.
لرؤية الحل، لا بد من الشعور بالحاجة. يجب أن تستوعبوا الحاجة. يجب عليكم مواجهة الموجات العظيمة من التغيير. يجب أن تبدؤوا بتجميع الأجزاء والعلامات مع بعضها البعض لتروا الصورة التي ترتسم لكم. هذه الصورة واضحة وجلية، ولكنها ليست بجلية لأولئك الذين لا ينظرون، الذين لا يتفكرون، الذين لا يقومون بالجمع بين الارتباطات الأساسية التي لا بد من جمعها. في حال أردتم رؤية الصورة بوضوح.
أي خطة عملية وجريئة تسعى من خلالها لإعادة توجيه نقطة ارتكازك وطاقتك، يجب أن تُبنى دائماً على أساس حاجة داخلية وملحة. أما في الأوضاع الهامدة، فنادراً ما يحرز الناس أي تقدم البتة في أي ميدان من ميادين العمل. إن التقدم الحقيقي يجب أن يكون متناسقاً بدافع الحاجة العميقة والملحة. تلك الضغوطات الناجمة عن أوضاعك وعن حاجات العالم من جهة ومن المعرفة الروحية التي في داخلك، المعرفة الروحية تلح عليك بأن تصبح واعياً، تلح عليك من أجل إعدادك نفسياً وعاطفياً وعملياً للتحديات العظيمة المقبلة عليكم الآن، لأن الأحداث العظيمة التي ستقابلها في حياتك وللعلاقات العظيمة التي قصدت لك، والتي سوف لن تظهر إلا عند مواجهة تحد أعظم في الحياة.
لا تقلق لعدم استجابة الآخرين. لا تهم نفسك على بشرية باقية في جهلها وانغماسها وحماقتها في شأن غاراتها وصراعاتها. لأن النداء هو ندائك. يجب عليك تحمل المسؤولية في حياتك وفي أسباب وجودك في العالم. النداء هو ندائك. لست بحاجة إلى إجماع الآخرين حتى تستجيب. في الحقيقة، إنك لن تحصل على هذا النوع من الإجماع. لعلك تكون أنت الشخص الوحيد الذي سيستجيب من حولك. حتى لو كان هذا هو الحال، يجب أن تستجيب. لا يمكنك انتظار الآخرين كي يقدموا لك إعادة التأكيد على وجوب استجابتك، فعندما يستجيب كل شخص، سيكون هناك هلعاً وتنازعاً. سيكون هناك محن وتصارع. وإنك لا تود الانتظار حتى اللحظة التي يستجيب فيها الآخرين، لأن عندها ستحل الفوضى.
يجب عليك إعداد نفسك وإعداد حياتك. يجب عليك تعزيز علاقاتك. يجب عليك تعليم من تعرفهم من الناس المقربين منك — أولئك الذين يقدرون على السماع وأولئك الذين يقدرون على الاستجابة. يجب أن تضع أهدافك وأهواؤك جانباً حتى تستجيب للعالم. يجب أن تعيد تقييم مكان معيشتك، كيفية معيشتك، من هم الذين معك من حيث المقدرة على السفر معك، من يستطيع الإعداد معك ومن لا يستطيع، يجب أن تعيد تقييم عملك وقابلية استمراره في المستقبل، ويجب عليك فعل ذلك من غير أن يشجعك ويتفق معك جميع من حولك، لأن هذا سيكون مستبعداً.
لن يود عقلك مواجهة المستقبل. سوف يود عقلك أموراً أخرى، وذلك بسبب ضعف العقل وهوانه. فهو ينساق بواسطة الخوف والتفضيل. ولكن هنالك عقلاً أعظم في داخلك، ألا وهو عقل المعرفة الروحية. إنه غير مشتت. ليس في صراع مع نفسه. ليس خاضعاً للإغواء القادم من العالم أو من أية قوة أخرى. فهو يستجيب إلى الرب وحده. إنه الجزء الوحيد منك الطاهر والذي يُعتَمد عليه، وإنه الجزء الوحيد منك الذي يتصف بالحكمة. إنه يحتوي هدفك الأعظم لمجيئك في العالم، وإنه يمثل علاقتك الأساسية مع الرب، التي لم يتم خسرانها عند الانفصال.
فرغم جميع مظاهر العالم، ورغم جميع أنشطة العالم وانغماساته ومآسيه، فإنك لا تزال مرتبطا بالرب. وإن الرب قد أرسلك إلى العالم لخدمة عالم حاجته عظيمة. لذلك السبب فأنت على ما أنت عليه. لذلك السبب فإنك تتميز بطبيعة فريدة. لذلك السبب فإن لديك مواطن قوى معينة والتي يجب استخدامها، ومواطن ضعف معينة والتي يجب التعرف عليها وإدارتها بصورة صحيحة. لأنك لا تستطيع أن تكون ضعيفاً ومتناقضاً عند مواجهة أمواج التغيير العظيمة. سوف تستدعي لب شدتك، وإنك سوف تحتاج الآن لهذا اللب من الشدة الآن. لا تستطع أن تتحامق في وجه مثل هذه الصعوبات والتحديات العظيمة والهائلة.
حقاً، إن الأمواج العظيمة تتلاقى على العالم. لا تستيطع الفرار منها. إنها عميقة وبقائهاً سيدوم طويلاً. هل تمتلك الوضوح والرزانة والصدق لتراها بوضوح، لتستجمع قواك وتستعد لها عاطفياً ونفسياً، وتبدأ ببناء أساس لنفسك. أساس تخلقه المعرفة الروحية في داخلك، أساس للعلاقات، أساس للأنشطة، أساس للحكمة، ليس من أجل أن تكون قادراً على اجتياز هذه التحديات الصعبة فحسب، بل لتكون قادراً على معونة وخدمة الآخرين.
يجب أن تعلم أن الحاجة الإنسانية ستنموا أعظم وأشد بكثير في المستقبل مما هي عليه الآن. سيصبح كل شخص أكثر فقراً، وسيحرم الكثير. يجب أن تمتلك الشدة هنا، لا لتعتني بنفسك فحسب، بل لتعتني بالآخرين أيضاً — لتعتني بكبار السن، لتعتني بالأطفال. بالتأكيد، سوف لن تتولى بنفسك مسؤولية الاعتناء بكل شخص، ولكن سيتضح لك من هو الأكثر ضعفاً وعرضة للخطر من بين جيرانك أو من بين علاقات ذوي القربى. يجب أن تكون قوياً بقدر كاف للاعتناء بهم أيضاً.
ورغم أن هذا الأمر يبدو أمراً قاهراً، رغم أنه يبدو على خلاف ما تفضله شخصياً، إلا أن الحقيقة أن هذا الأمر هو ما سيخلصك، لأنه سينادي عليك للخروج من صراعاتك، من إدمانك، من تدني مستوى تقديرك لذاتك، من حسراتك، من ذكرياتك المؤله سيجبرك هذا الأمر على تأسيس علاقة حقيقية مع نفسك، ومع الآخرين، ومع العالم.
لذلك، لا تنظر إلى أمواج التغيير العظيمة فقط على أنها مأساة أو على أنها خطر عظيم، بل انظر إليها كنداء، انظر إليها كمتطلب — نداء ومتطلب باستطاعتهما إحياءك وتخليصك، نداء ومتطلب باستطاعتهما استدعاء المعرفة الروحية التي في داخلك والهدايا العظيمة التي كنت قد أتيت لتقديمها، هذه الهدايا التي سوف تحددها الأوضاع التي تظهر في هذا الوقت.
سوف تجلب الموجات العظيمة من التغيير وضوحاً عظيماً إلى حياتك، وسوف تظهر لك كل مواطن ضعفك ومواطن شدتك. سوف تجتثك من أحلامك، أحلام إتمام الذات وأحلام الأسى. سوف تجبرك على الرجوع إلى حواسك، وسوف تجبرك على الرجوع إلى المعرفة الروحية في داخلك. من أجل ذلك، لا تتبرأ منها. لا تعرض عنها. لا تظن بأنها يسيرة أو أن الناس سيجدون لها حلاً بسيطاً، لأنك إذا فعلت ذلك يعني أن تحرم نفسك نداء زمنك وقوته والخلاص الذي قصد أن يجلبه لك أنت يا من قد أرسلت إلى العالم بسبب هذه الأوضاع بالتحديد.
سوف يجمعك هذا الأمر مرة أخرى بمواطن شدتك، وسوف يكسر ارتباطك بمواطن ضعفك، لأنه أنت الشخص الذي يجب عليه الآن تلبية النداء. هذه ليست مسألة على الآخرين أن يعتنوا بها، لأنه يجب على كل شخص أن يعتني بجزء منها. وكلما تمكن المزيد من الناس هنا من الاستجابة لغايتهم الأعظم، كلما عظمت الفرص لدى البشرية، وكلما عظم الوعد للبشرية، وكلما عظمت فرصة نجاة البشرية من الموجات العظيمة من التغيير وأن تنهج نهجاً جديداً ووجهة جديدة واتحاداً وتعاوناً أعظم أثناء سير العملية.
لكن ذلك يبقى معتمد عليكم وعلى مواطن الشدة التي كنتم قد فطرتم عليها، وعلى تلك الشدة التي يجب أن تأتي في المقدمة في المعرفة الروحية التي غرسها الرب في داخلك، فهي وحدها تعرف السبيل للمضي قدماً.
لأن الأوقات العظيمة عليكم. هذا هو وقتكم. هذا هو نداؤكم. هذه هي المناسبة التي سيتم فيها إيجاد شدتكم الحقيقية. ليست ثمة وسيلة لإيجاد شدة حقيقية عندما يكون حال الناس هو الخمول والنوم. يتم إيجاد القوة الحقيقية فقط عند استجابة الناس وتحركهم في الوجهة والنية الصحيحة.
مع تعاليم الرسالة الجديدة، لدى البشرية الآن أمل عظيم. فلأول مرة في تاريخ البشرية، تقدم فيها الروحانية على مستوى المعرفة الروحية. إنها نداء عظيم. إنها هدية عظيمة، تجلب الحكمة من وراء نطاق ما أسسته البشرية من قبل على الإطلاق. تدعو الناس للخروج من الظلال. للخروج من الصراع، للخروج من الجدال، للخروج من الإدمان، للخروج من المأساة — للاستجابة لعالم ذي حاجة.
إن الرسالة الجديدة تخاطب حاجة العالم العظيمة — الموجات العظيمة من التغيير، والظلام الأعظم الناجم عن التدخل في هذا العالم. إنها تخاطب الغاية الأعظم التي قد استدعت كل شخص إلى العالم. إنها تخاطب قوة المعرفة الروحية وتبين للناس كيف يمكن اكتشاف وتجربة المعرفة الروحية. إنها تخاطب مستوى من العلاقات التي يتوجب على الناس الوصول إليها في حال أرادوا إيجاد وحدة حقيقية وقوة حقيقية مع بعضهم البعض. إنها تتحدث عن مستقبل البشرية ضمن مجتمع أعظم من الحياة الذكية في الكون، وعن العتبة العظيمة التي يجب على البشرية اجتيازها كي تجد قدرها وإتمامها الأعظم.
أنت مبارك لتلقيك هذه الرسالة، ليتم تنبيهك إلى الموجات العظيمة من التغيير، وأيضاً من الظلام العظيم الموجود في هذا العالم. لأن لديك الوقت الكافي الآن لتصبح واعي، وتدعم نفسك وحياتك لاستقبال التوجيه الذي يمنحك الرب إياه عن طريق المعرفة الروحية التي ولدت معك، والتي تعتبر من أعظم هبات الرب لك وللعالم.




