Marshall Vian Summers
يونيو 3, 2008
هناك أعداد متزايدة من الناس في العالم اليوم الذين يشعرون بأن تغيير عظيم قادماً، وأكثر من هذا فقد بدأوا في الاستجابة لرسائل المعرفة الروحية، والذكاء الأعمق بداخلهم الذي يطلب منهم القيام بأشياء معينة، لإجراء تعديلات أو تغييرات معينة في حياتهم واتخاذ أشكال معينة من العمل.
ومع ذلك، لم يتمكن الكثير من هؤلاء الأشخاص من الاستجابة. يشعرون بتحذير الرسالة أو ربما يرون العلامات، لكنهم لا يتحركون للتصرف. إنهم يدركون الحاجة. إنهم يدركون الخطر المحتمل. لكنهم لم يستجيبوا. ولم يتخذوا أي إجراء بشأن ذلك.
هذا بدوره يُظهر مشكلتين، المشكلة الأولى تكمن في أن المعرفة الروحية ليست قوية بما فيه الكفاية بعد داخل الشخص لتحريكهم. فرغم أن المعرفة الروحية في الحقيقة قوية فعلاً بما فيه الكفاية، إلا أنهم يفتقرون لوجود أتصال قوي وكافي معها، لكي يشعروا بتلك الحاجة الملحة والحركة ضمن أنفسهم. فالمعرفة الروحية، إن صح التعبير، تشبه صوتاً بعيداً، أو مرور صورة أو عاطفة عابرة، كما لو أن المعرفة الروحية كانت تتواصل معهم، ولكن من بعيد، من خلال جدار ضخم وسميك. ولكن، رغم أن المعرفة الروحية تتدفق بقوة بداخلهم، لكنهم لم يكونوا قادرين على الاستجابة لها.
ولذلك، فإن عدم القدرة على الاستجابة، هي مشكلة أساسية هنا. وهذا هو السبب في أنه من أجل دراسة الخطوات إلى المعرفة الروحية، لا بد من القيام بعملية بناء الجسر بين عقلك المفكر — أي فكرك — الذي أصبح متكيفاً للغاية من خلال الأوضاع الاجتماعية والتجربة السابقة، وبين العقل الأعمق للمعرفة الروحية التي خلقه الرب، وهذا سيكون بعيداً عن متناول التشكيل الاجتماعي، لأنه لا يمكن التلاعب بالمعرفة الروحية، أو تعديلها من قبل أية قوة دنيوية.
إن بناء هذا الجسر مهم جداً، لأن الكثير من الناس عند ذاك سيستطيعون رؤية العلامات والإشارات، وسيشعرون بها في أنفسهم، وسيرون الإشارات في العالم، ولكنهم لن يستجيبوا، ولذلك، فقد يهزون رؤوسهم قائلين، ”حسناً، إن هذا مثيراً للقلق”. بل وقد يحدثون أصدقاءهم بقولهم، ”لقد خطرت على بالي فكرة هذا اليوم تُحذرني، وقد جعلتني أشعر بالقلق“. أو ،“إني أرى شيئاً ما يحدث في العالم، ويمكن أن يكون صعباً للغاية”. إنهم يستجيبون، ولكن ليس على مستوى العمل. فهذه العلامات تثير القلق. وتثير الاشتباه. إنها تنبيه الشخص، ولكن الشخص لا يستجيب حقاً.
وهكذا، فحتى تصبح تلك العلامات والإشارات واضحة، سيواصل الناس القيام بما يفعلونه دائماً في حياتهم اليومية، كما لو أن شيئاً لا يحدث. نعم، ثمة شيء سيحدث، وثمة قلق يتعاظم إنهم يشعرون بأن تغييراً عظيماً، وصعوبات عظيمة، تقترب شيئاً فشيئاً. نعم، قد يكونوا على علم محدد بذلك في بعض المناطق، حيث أن بعضاً من تلك المصاعب قد حدث بالفعل. لكنهم لا يستجيبون بطريقة من شأنها أن تُحرك حياتهم.
إن تلك العلامات والإشارات لم تُعط لكم فقط من أجل تهذيبكم، أو للترفيه عنكم، أو لمجرد تحذيركم ودبّ القلق والذعر في نفوسكم. ولكن لإرشادكم، وفي كثير من الحالات من أجل أن تجعلكم تقومون بأنواع معينة من العمل. ولكن عليكم في الحقيقة أن تشعروا بتلك الرسائل، لأنها لا يمكن أن تتكون صور صغيرة بعيدة، أو مشاعر أو أفكار عابرة. يجب التعامل معها بقوة أكثر من أجل للحصول على التعليمات التي تحتويها.
إن العالم بنفسه سوف يخبرك بما هو قادم، إذا كنت تعرف كيفية قراءة وتمييز تلك العلامات ورسائلها. وستفعل هذا من دون إسقاط لأي من أفكارك الخاصة بك أو أوهامك أو مخاوفك. فكل ما عليك فعله هو أن ترى، وتسمع، وسوف تتشكل الصورة أمامك قطعة فقطعة. ولكن، ومن أجل حصولك على صفاء العقل، عليك أن تنظر من دون التوصل إلى استنتاجات، ومن دون محاولة ربط الأشياء معاً، ومن دون محاولة جعل الأمور بسيطة ومفهومة. وبدلاً من ذلك، عليك أن تسمح لتلك القطع أن تتجمّع وتتلاحم معاً كما في لعبة الأحاجي.
وهذا ما يسمى “الرؤية”. إن معظم الناس لا يرون، لأنهم لا ينظرون بهذا التأكيد، دون صبر، لأنهم يستعجلون النتائج ليس إلا. إنهم يريدون حلولاً، يريدون إجابات. يريدون أن يفهموا الآن وبسرعة. إنهم يريدون للصورة أن تكتمل الآن و حالاً، وأن تكون واضحة، ومفهومة. فهم لا ينتظرون بصبر لمشاهدة تلك العلامات والإشارات التي تقول لهم ما ينبغي قوله، ولا يسمحون للصورة أن تصبح واضحة من دون تدخلهم. هذا هو ما يُدعى بالرؤية.
هذا ينطبق أيضاً مع “الإستماع”. فأنت تسمع أشياء معينة، ولكن بدلاً من استخلاص الاستنتاجات أو تعزيز موقف فرضياتك، ومعتقداتك الحالية، فإنك ستدعها ببساطها لتسكن في عقلك. افسح لها المجال، ودعها ترشدك، بدلاً من محاولة استخدامها لتحصين أفكارك ومواقفك الشخصية.
أن كل ذلك يتطلب منك التواضع، بطبيعة الحال، والالتزام من أجل أن تضع جانباً كل افتراضاتك، و أحكامك، وأفكارك السابقة، وهكذا دواليك. ولذلك، فمن أجل أن ترى، وأن تسمع حقاً، عليك أن تسير وفق هذا النهج. ولكن يجب أن تنظر بجدية، وأن تُنصت بجدية. يجب أن تلزم نفسك لكي ترى، وتسمع. فهذه ليست عملية مطاردة تقوم بها مرة واحدة كل فترة. كما أنها ليست عملاً دورياً تقوم به لمجرد أن ترى وتسمع. فهذا ما تفعله كل الحيوانات، لأنها دائماً تنظر وتسمع، باحثة عن وجود خطر ما، فهي مجهزة للاستجابة، وإلا فلن تستطيع البقاء على قيد الحياة.
أما بالنسبة إلى البشرية الآن، فهناك خطر عظيم يتنامى، وقد قامت الطبيعة بتجهيزكم لمواجهة ذلك الخطر، ولابد من مواجهته للنجاة والبقاء على قيد الحياة. إلا أن الناس لا يرون، ولا ينصتون. بل يذهبون للانغماس في شؤونهم الخاصة، حتى من دون أن ينظروا باتجاه الأفق، ومن دون الإنصات إلى العلامات والإشارات القادمة في العالم. وإذا ما استطاعوا سماع شيء ما، فسوف يرفضونه، أو يناقشون الأمر مع أصدقائهم، أو استخدامه لتعزيز بعض مواقفهم أو أحكامهم ضد أناس آخرين. وهكذا، ستضيع الرسالة منهم، ولن يكون بمقدورهم الحصول على التعاليم التي ستمنحهم المؤشر لما يجب عليهم القيام به ليفعلوه.
إذا كان بإمكان الناس أن يروا وينصتوا من دون أن يأخذوا الفعل، فإنهم في حقيقة الأمر لم يروا حقاً، ولم يسمعوا حقاً. لأن الرسالة لم تكد تتعدى ما وراء الفكر للوصول إلى عمق الذات لديهم. ولذلك، فإن الناس لا يستجيبون حقاً، ولذا فهم لا يمكن أن يكونوا مسؤولين.
من أجل التحضير للموجات العظيمة من التغيير، سيتوجب عليكم اتخاذ العديد من الإجراءات، وقد يبدو بعضها غير منطقي في لحظة ما كما أنكم لن تكونوا قادرين على تبريرها أو تفسيرها للآخرين. ولكن ينبغي عليكم الأخذ بها على أي حال ذلك لأن كلاً من المعرفة الروحية الموجودة بداخلكم الذكاء الأعمق بداخلكم، هي التي ستحثكم. ولذلك — ستتمكنون من الاستجابة إذا كان اتصالكم بالمعرفة الروحية قد أصبح أقوى، لأنه الآن لم يعد مجرد صوت خفيف أو صورة عابرة أو لحظة إدراك. إنها الآن شيء قد ظهر في داخلك كقناعة أعمق، وكحاجة والتزام واهتمام. وهكذا، لم يعد بإمكانك تجاهل ذلك، أو إنكارها، أو دفعها بعيداً بسهولة، ذلك لكونها قد أصبحت تتنافس للاستحواذ على انتباهك.
من أجل البدء، عليك أن تتعلم كيف تبقى ساكناً ومراقباً — تنظر لما حولك من دون أن تُطلق أحكاماً، ومن دون التوصل إلى الاستنتاجات، باحثاً عن الإشارات والعلامات. رغم أن تلك العلامات لا توجد في كل مكان، إلا أنها وفيرة بما فيه الكفاية. فإذا كنت مُلاحظاً، وهيأت نفسك للبدء بالملاحظة خلال يومك، فإنك سوف تبدأ برؤية الأشياء، والتي سوف تبرز من كل شيء آخر. سوف تبرز، وستبهرك أكثر من الأمور المعتادة، أكثر من الأشياء الرائعة، أو حتى الأشياء المثيرة للقلق التي يمكن أن تسمع أو تقرأ عنها. كما ستبهرك على مستوى أعمق. فانتبه، وقم بتسجيلها، ثم احتفظ بذلك السجل مع تدوين التاريخ والزمان والمكان، من أجل أن يكون بمقدورك أن تجمع قطع الأحجية معاً.
يجب عليك أن تكون أكثر نظراً وأقل تفكيراً، وأكثر إنصاتاً، وأقل كلاماً، ومراقبة الآخرين من دون إطلاق أية إدانة أو أي حكم، واضعاً عاداتك في الحكم على الآخرين وتقييمهم جانباً، وذلك لكي تكون مُصغياً. وهنا، تذكر أن الطيور المحلقة في الهواء، والحيوانات في الحقول دائمة الإنصات، والمراقبة. إنها في حالة انتباه دائم.
فلا بد للإنسانية التي ظلت — ولفترة طويلة من الزمن منغمسة في الصراعات، والهواجس العظيمة، والإدمان، يجب على الإنسانية السماع، وأن تبصر، و تهتم، و تنتبه من دون أن تحاول تحصين نفسها بشكل وهمي، ودون أن تحاول نشر الكآبة والخوف على كل شيء. لقد حان وقت الإنصات الآن، والانتباه. إنه لأمر غريب أن الإنسان الذي يعتبر المخلوق الأكثر ذكاء في العالم، يعمل، ويتصرف بالطرق الأقل ذكاء.
لذلك، يجب أن يعطي الرب تحذيراً عظيماً. كما يجب إعطاء ذلك الإنذار مع الرحمة، ولكن بوضوح وعزم، لأن الناس في العادة لا يرون ولا ينصتون، ولا يكترثون. كما أنهم لا يدركون كيفية التمييز بين العلامات والإشارات القادمة من العالم، وبين تلك التي تنتج عن المعرفة الروحية في أنفسهم. وبالإضافة إلى ذلك، فهم ليسوا قريبين من المعرفة الروحية بشكل كاف في أنفسهم. لأن المعرفة الروحية تحثهم على فعل شيء ما، ليتصرفوا، أو لتغيير أنشطتهم بطريقة محددة.
الناس يعتقدون بأنه للتحضير للصعوبات، يجب عليهم تحصين أنفسهم من الخارج. كتخزين أنواع الطعام في منازلكم، أو اتخاذ مواقف دفاعية أكثر. أو في الحالات القصوى، تتصرفون كما لو كنتم على وشك الحرب، كالقيام بالانتقال إلى بعض الأماكن البعيدة النائية من البلاد، وتقومون بتسليح أنفسكم، ثم تنظرون إلى كل شيء بنظرات الريبة والخوف.
لكن هذا الأمر حماقة، لأن الإعداد الداخلي هو أكثر أهمية من الإعداد الخارجي. إن الاستعداد الداخلي أهم بكثير من الاستعداد الخارجي. لأنك لا تعرف ما الذي ستستعد لأجله حتى الآن، لذلك لا يمكنك معرفة كيف تسير الأمور. ولأنك في نهاية المطاف هنا لخدمة الإنسانية بدلاً من الهروب من أمامها، ولأنك لم تكن تتعامل بشكل حقيقي مع حياتك ومع نفسك، إذا كنت تريد بناء الأمان لنفسك فقط. ولكن أي نوع من الأمان تبنيه لنفسك، سيكون غير آمن، بل وعديم الجدوى في وجه الموجات العظيمة من التغيير.
حيث لا يمكنك الهرب والاختباء تحت صخرة. لأنك، سوف تحتاج إلى الآخرين لمساعدتك. وسينبغي عليك مشاركة مواهبك ومهاراتك. كما أنك ستكون بحاجة إلى مواهب ومهارات الأخرين، وإلى علاقات جادة وذات معنى، وإلا فلن تنجح. كما أن الهروب إلى بعض المواقع البعيدة والنائية ليس سوى ضرب من الحماقة، وأمر بالغ الخطورة.
هذا هو السبب في أن الإعداد الداخلي ضروري للغاية. ولكن إذا كنت لا تعرف كيف تقرأ الإشارات والعلامات التي يقدمها العالم، فلن تعرف ما يجب عليك القيام به في ظل الظروف المتغيرة. ولذلك فإنك ستتصرف حينذاك بسبب الخوف أو العدوانية، أو أنك ستضع ثقتك بأشياء لا يجب عليك أن تثق بها، أو أنك ستضع نفسك تحت تصرف الأخرين الذين سوف يقودونك إلى خطر أعظم، أو أنك ستضع نفسك ضمن بعض القناعات السياسية التي تشكل في حد ذاتها خطراً داهماً. وهكذا، فإذا كنت لا تستطيع الرؤية، ولا يمكنك أن تدرك، فإنك بالتالي لن تعرف ما يجب القيام به، وسوف تتبع الأخرين الذين يدعون أنهم يعرفون ما يجب القيام به، ولكنهم في حقيقة الأمر إنما يقودونك إلى خطر أعظم.
لقد أعطاك الرب جواباً. ولكن عليك أن تتوصل إلى معرفة هذا الجواب، وأن تعيش معه، وأن تطبقه من دون تغييره، ومن دون إنكاره، ومن دون أن تحاول أن تجمعه مع أشياء أخرى. يجب أن تتعايش معه بتواضع وصبر، ولكن مع الالتزام والمثابرة أيضاً.
إذا كنت تُحصّن نفسك، وهذا هو كل ما تفعله بالنسبة إلى الجانب الخارجي، سيأتي الآخرون ليأخذوا ما لديك. فإذا كنت قد قمت بتخزين المواد الغذائية وغيرها من الضروريات، ويكون ذلك هو كل ما فعلته، فسيأتي الآخرون كي يأخذوا ما لديك. فلا مكان هنا للهرب والاختباء، كما ترى، وعندما تدرك ذلك في نهاية المطاف، فإنك ستعلم بأنك لا تملك الجواب، ولربما بعد هذا الموقف فقط سوف تتحول إلى المعرفة الروحية. وسوف تدعوا الرب للإرشاد. سوف تصلى للرب طلباً للمساعدة. سوف تصلي للرب طلباً للخلاص. وربما سيكون عقلك متفتحاً لكي تدرك بأنه من دون اليقين الداخلي الحقيقي، اليقين التي يمكن للمعرفة الروحية أن تقدمه، فلن يكون لديك أي مزايا. لذلك ستبقى بلا أمان، ولن تنعم بالوضوح، وستفقد الاتجاه المطلوب.
إن هذه القدرة التي تجعلك ترى، وتشعر بحركة المعرفة الروحية — في تلقي التعليمات من المعرفة الروحية داخل نفسك ومن علامات العالم، والتي سوف تحركك لكي تتخذ موقفاً وتتصرّف، أو لإعادة النظر في تصرفاتك وسلوكياتك الخاصة، وأهدافك ومواضيع حياتك — هي بالفعل نقطة تحول حقيقية.
أما اليوم، فهناك أعداد متزايدة من الناس — هناك الكثير الكثير من الناس — الذين يشعرون بالقلق بشأن ما قد يحدث في قادم الأيام. إنهم قلقون حقاً، ولكنهم لا يتحركون، لا يتحركون بالمعرفة الروحية. إنهم لا يستعدون للموجات العظيمة من التغيير. إنهم قلقون فقط. فما الذي يمكن فعله حتى يصل أولئك الناس القلقين إلى نقطة أخذ الفعل، ولتغيير مسار حياتهم، وتغيير أهدافهم؟ ما الذي يمكن فعله حقاً؟
إذا كان بإمكانكم الحصول على التعليمات من المعرفة الروحية والاستجابة عليها بهذا المستوى، فسوف تكونون قادرين على الاستعداد مسبقاً للموجات العظيمة من التغيير. وسيكون لديكم الوقت الكافي للاستعداد وإجراء التغييرات والتعديلات التي قد تكون صعبة في بعض الأحيان، ولكنها مطلوبة لإعادة تموضع أنفسكم من أجل الحصول على موقف أقوى، ولإبعاد أنفسكم عن الأذى، و للحدّ من ضعفكم، و بالتالي ستزداد إمكانية القيام بخدمة الآخرين.
ولكن إذا انتظروا أن تصبح الحاجة إلى التغيير ساحقة، فسيكون الأوان قد فات. ثم سوف يشعر الجميع بالذعر. مثل قطيع من الوحوش في الحقول، سوف يصابون بالذعر. سوف يركضون في أي اتجاه. لن يتصرفوا بأي يقين أو لأي سبب. أفعالهم ستكون يائسة.
فإذا انتظرت حتى ترى الأدلة القاطعة، فاعلم بأن الوقت سيكون متأخراً جداً حينذاك بالنسبة إليك لاتخاذ أي استعدادات حكيمة. كما أن موقفك سيكون ضعيفاً وهشاً ولا يمكن الدفاع عنه. وبعد ذلك ستصبح في وضع يعاني من الوهن والعجز الشديد. ثم ستصبح خياراتك محدودة جداً. لن يكون هناك طعام على الرفوف في المخازن. وسيتم إغلاق البنوك. وسيكون الناس في حالة من الهلع. ولن يستغرق ذلك الكثير من الوقت حتى يصاب الناس بالذعر.
أنت لا تريد أن تكون في مثل هذا الموقف، فيجب عليك أن تتحرك قبل أن يبادر الآخرون بالتحرّك، وعليك أن تستعد قبل استعداد الآخرين. يجب عليك أن تمضي قدماً بقوة المعرفة الروحية في داخلك، ومعتمداً على الأدلة التي يقدمها العالم، وليس اعتماداً على التوافق مع بقية الناس، لأنه عندما يتفق الجميع على أن الموجات العظيمة من التغيير قد أصبحت فوقهم، سيكون الوقت حينذاك قد فات للاستعداد. لذا، يجب عليك أن تتحلّى بهذه الشدة، وهذه النزاهة.
كما ذكرنا في البداية، هناك مشكلتان تقفان كعائق أمام القدرة على الاستجابة لحركة المعرفة الروحية؛ حيث تكمن المشكلة الأولى ببساطة في عدم القدرة على الاستجابة بسبب وعيك للمعرفة الروحية واتصالك بها ليس قوياً بما فيه الكفاية حتى الآن لكي تشعر بحركتها في حياتك، من أجل تلقي رسائلها، وأخذ الفعل بها.
أما المشكلة الثانية فهي الواجبات والالتزامات الخاصة بك حيال أشخاص آخرين. وهذا بدوره يمثل مجموعة واسعة من الحالات. كما أن كل حالة تختلف بعض الشيء عن بقية الحالات. إلا أن هذا سيجلب مشاكل عظيمة حيث يوجد لدى الكثير من العوائل فرد يعاني من صعوبات عظيمة، لذلك سيشعر بقية أفراد تلك العائلات بأنهم ملزمون ومسؤولون لتوفير متطلبات ذلك الفرد. لذا كيف ينبغي اعتبار هذا الأمر؟ وما هي الخطوط العريضة والمبادئ التوجيهية هنا؟ وكيف ينبغي للمرء المتابعة؟ إن كل حالة تعتبر هنا بمثابة حالة فريدة من نوعها إلى حد ما، ولذلك فإن المبادئ التوجيهية هي مبادئ عامة جداً، وواسعة جداً، ولكن هناك عدد قليل من الأشياء التي يجب أن تعرفها في البداية.
في الحياة، حيث أن مسؤوليتك الأولى تتعلق بالمعرفة الروحية لأنها مسؤوليتك أمام الرب. وتلك هي مسؤوليتك لكي تتبع ضميرك، ولتسمح له بمراقبة أفكارك ومعتقداتك، وعلاقاتك مع الآخرين، وكذلك على رغباتك في الحصول على المتعة، أيضاً الخوف من الألم؛ وحول حيازتك للثروة، والخوف من الفقر. عليك أن تُحكم ضميرك في كل شيء. تلك هي مسؤوليتك الأولى.
الآن، لكي يصبح هذا الكلام واقع حقيقي عملي لك، فلا بد من التطبيق في كثير من الحالات مع مرور الوقت، وهذا هو السبب في أنك بحاجة إلى وقت للاستعداد. ولذا، لا تريد الوقوف على الشاطئ حين تأتي الموجات العظيمة من التغيير.
بعد ذلك ستظهر مشكلة العلاقات التابعة والمستقلة وهذا يمثل مجموعة عظيمة ومتنوعة من الحالات، ولكنها تبقى وراء خطوط التوجيه الأولى التي تعتبر أن مسؤوليتك الأولى هي المعرفة الروحية، بالإضافة إلى وجود أحكام وظروف أخرى أيضاً. إنها مسؤوليتك في تربية أطفالك إلى مرحلة البلوغ، حيث لا يمكنك التخلي عنهم في تلك المرحلة. لذلك، يجب عليك البقاء معهم، إلا في بعض الحالات الشاذة والمتطرفة للغاية، وذلك إذا كانوا يميلون بشدة إلى التدمير الذاتي، أو أنهم لا يمكن السيطرة عليهم، فسيقع عليك حينذاك جزء من المسؤولية لأنك جزء منها بطبيعة الحال. ولكن هذا لن يحدث إلا في المراحل الأخيرة من تطور نموهم، ولن يكون إلا استثناء حقيقياً، وشذوذاً عن هذه القاعدة.
إذا كان لديك والدان لا يملكان أية وسيلة لدعم نفسيهما، ففي بعض الحالات، سيكون عليك تقديم المساعدة لهما بنفسك، وتلك ستكون مسؤولية أيضاً، وقد يصح ذلك بالنسبة إلى كثير من الناس بطبيعة الحال ولذا، لا تعتقد بأن الحكومة، أو أنظمة الرعاية ستتوفر في المستقبل بالنسبة إلى المسنين، وأنه لن يكون لديك أي مسؤوليات هنا، ذلك لأن كثيراً من الناس سوف يضطرون إلى مواجهة ذلك، حيث يجب أن يشكل هذا جزءاً من الاستعدادات.
وعدا عن ذلك، فثمة حالات ينبغي عليك فيها تقديم الخدمة لأشخاص آخرين لأنك موجود من أجل خدمتهم، وعليك الاعتناء بهم. وعادة ما يتضمن ذلك بعض الناس شديدي الإعاقة، حيث تشعر بأنه لا بد لك من الالتزام مع تلك الحالات. ورغم أن ذلك سيكون في الأوقات العصيبة للغاية، إلا أنك تتفهم وتعلم تماماً بأنه يجب عليك البقاء معهم. وسيكون ذلك واضحاً.
ولكن في العديد من الحالات الأخرى، فإن الوضع قد يختلف. فإذا كنت في علاقة مع أشخاص لن يستعدوا الموجات العظيمة من التغيير، أو الذين يحطون من قيمة محاولتك للقيام بذلك، فقد تضطر آنذاك للتخلي عنهم، ويجب أن تقوم بذلك، وبسرعة لأنهم سيقفون في طريقك، وسيشدّونك إلى الخلف، ما سيساهم في أحباط تقدمك الذي تحرزه. وهذا ما سيوهنك، و سيهين علاقتك مع المعرفة الروحية. هنا، لا بد لك من أن تقطع رابط علاقتك مع أولئك الناس، وتتركهم يذهبون في حال سبيلهم، ولكن دون أية عداوة، بل مع اليقين التام بأنك لا يمكنكم المضي قدما معاً.
أما إذا كان لديك زوج، أو في علاقة جدية مع شخص ما، أو مع أشخاص مختلين عقلياً، أو كانوا يعانون من أي نوع من الاختلال في حال من الأحوال، فإن قرار البقاء معهم أم لا سوف تحدده المعرفة الروحية. ولكنك يجب أن تكون على استعداد للتخلي عنهم إذا كان ذلك ضرورياً، لحماية نفسك وحماية أطفالك، أو لحماية والدين المسنين، ومهما تطلبت مسؤولياتك ذلك. ولأنه من غير المناسب بالنسبة إليك وجود ما يعرقلك، أو تأثرك بشخص ما، أو بأشخاص لا يمكنهم التحرك إلى الأمام في الحياة.
إن هذا الشئ يُمثل العتبة العظيمة الأولى الذي سوف يواجهها كثير من الناس، لأنه يُمثل عائقاً ضخماً يحتجز حياتهم بالفعل، ولربما كان ذلك منذ وقت طويل جداً، لذلك واجهوا هذه المشكلة فوراً عندما أصبحوا طلاباً لعلم المعرفة الروحية. “رغم أنه يوجد شخص في حياتي، وأنا مُلزم به، إلا أننا لسنا متحدين. لسنا معاً. بل وقمنا بتأسيس نوع من اعتماد أحدنا على الآخر. وهو أمر غير صحي”.
ولذلك، عليك، في معظم الحالات، التحرر من هذه الأوضاع. إلا إذا قررت المعرفة الروحية، والتي هي الحقيقة الأعمق في داخلك، أن تقدم استثناء لذلك، وهو ما يجب عليك أن تتبعه أيضاً. لا يمكنك التقدم إلى الأمام إذا قررت البقاء مع الآخرين لا يمكنك تسلق الجبل إذا بقيت في الخلف من أجل الآخرين. مُحاولاً تمكينهم، ودعمهم، وإقناعهم، ومحاورتهم، وتعليمهم، أو تغييرهم. عليك أن تفك ذلك الرباط. فحياتك تتطلب ذلك. والمعرفة الروحية أيضاً تتطلب ذلك. وأنت تعلم بأن ذلك هو الصواب. حينذاك ستعطيك المعرفة الروحية المزيد من القوة، لأنها ستبني فيك الاستقامة، وستعيد إليك الثقة بالنفس في اتخاذ هذه الإجراءات، حتى وإن كانت الأمور بالغة الصعوبة.
لكن إذا كان الأخرون متجهين نحو الفشل، و أصرّوا على ذلك، فلا يتحتم عليك أن تمنعهم، عليك أن تدعهم يتبعون مسارهم في الحياة، لأنك لست مسؤولاً عنهم إلا إذا كانوا أطفالك أو والديك المسنين فهناك استثناء لهذا. ولكن حتى هنا، يجب أن تتم الاستثناءات في بعض الحالات القصوى.
فإذا كانت مسؤوليتك الأولى للمعرفة الروحية، فأنت حر. ولكن يجب أن تتعلم الحرية، من أجل الفوز بالحرية. ومن أجل ذلك، يجب عليك أن تتغلب على التيارات الأخرى في عقلك — كالشعور بالذنب، والالتزام، وإدانة الآخرين، والحاجة للإثبات والموافقات، والحاجة إلى الأمن المالي، والحاجة إلى الاعتراف الاجتماعي — يجب التغلب عليها كما لو كنت تخوض معركة ضد قوات العدو. لا بد من التغلب عليها داخل نفسك. لا يمكنك الحصول على كل شيء. لا يمكنك البقاء حيث أنت والمضي قدماً. لا يمكنك الحصول على موافقة الآخرين، واتباع المعرفة الروحية داخل نفسك.
تستطيع أن تشكر الرب وتحمده، وأن تعبده. تستطيع أن تركع على ركبتيك. تستطيع أن تسجد في المساجد. ولكن إذا لم تكن تحمل ما وهبه الرب لك، فإنك لا تُكرم الرب. بل ولا تُقيم للرب وزناً. كما أنك لا تتم أيضاً بما أنزل الرب من أجلك لتنفذه، وهو ما سيكون في معظم الحالات مختلفاً جداً عن أفكارك حول حياتك، ومفاهيم الخاصة عن الوفاء والسعادة.
يجب عليك أن تتقبل حقيقة أنك لا تعرف الهدف الأعظم بعد، وأن تتخلى أيضاً عن كل محاولات التخمين عما قد يكون. ولذا، فمن الأفضل لك أن يكون عقلك منفتحاً، وأن تمضي قدماً نحو الأمام، بدلاً من الترفية عن استنتاجات عظيمة.
إن السؤال الحقيقي في التحضير للموجات العظيمة من التغيير يكمن فيما إذا كنت تراها، أو تسمعها، أو تستشعر بها، أو ما إذا كان بإمكانك اتخاذ عدة خطوات قد يطلبها الاستعداد. وعدا عن ذلك، فلا شيء آخر يهمّ — لا وضعك السياسي، أو وجهة نظرك السياسية، ولا مكانتك الاجتماعية، ولا تقييماتك، ولا مصالحك، ولا هواياتك، ولا أصدقاؤك، ولا جمعياتك ولا مواهبك، ولا مهاراتك. فإذا كنت لا تستطيع الرؤية، والمعرفة، والاستجابة، فإن أياً مما سبق لن يساعدك الآن في شيء.
فأنتم تدخلون الآن في أوقات مضطربة إلى حد عظيم. فالأشياء سوف تتغير على نحو متزايد، وفي بعض الأحيان بأشكال وطرق لا يمكن التنبؤ بها. كما أن المعرفة الروحية ستنقلك الآن لتتحرك، ولكن عليك أن تستجيب لتلك المعرفة الروحية من أجل أن تشعر بما ينبغي عليك فعله. لذا، فقد وفّر هذا الكتاب لك سلسلة من ”التوصيات“ التي ستأخذك بعيداً جداً إذا كان بمقدورك اتباعها. وأبعد من ذلك، يجب أن تصبح طالباً للمعرفة الروحية، وأن تتعلم طريقة المعرفة الروحية، واتباع قوة وحضور المعرفة الروحية داخل نفسك، وداخل الآخرين.
ومع ذلك يجب أن تكون حراً في الاستجابة للمعرفة الروحية، وللتحرك مع المعرفة الروحية، حيث لا فكرة، لا اعتقاد، ولا أي التزام بالآخرين، كما لا يجب لأي التزام آخر أن يقف في الطريق. قد تظن بأنك قد أصبحت أنانياً، ومنغلقاً، كما أن بعض الناس قد يتهمونك بالأنانية والتقوقع. ولكن إذا كانت أفعالك صحيحة، فأنت حقاً قد أصبحت في خدمة الرب. وأنك تُنفذ التوجيهات التي منحك الرب إياها، وأنك تفعل ذلك بطريقة خالية تماماً من المساومة لتلبية الاحتياجات والتوقعات، أو موافقة الآخرين. هنا حريتك في اتباعك لحركة المعرفة الروحية ستتم بشق الأنفس. فلا تعتقد بأنها ستكون سهلة، أو أنها ستقلل من المعارضة، كما أنك ستبالغ في وعدك بالنجاح.
لقد منحك الرب قوة وحضور المعرفة الروحية. قد تطلب المعجزات من الرب. قد تسأل الرب أن ينقذ سفينتك الغارقة. تستطيع أن تصلي من أجل عدة أمور. ولكن إذا لم تكن تستطيع الاستجابة لما وهبه الرب لك، فإن كل صلاتك، ودعائك، وابتهالاتك ليست صادقة، أو شريفة، لأنها قد ولدت من الجهل والغطرسة والحماقة. ورغم ذلك، فإن الرب لن يعاقبك، ولكنك ستضع نفسك في طريق الأذى، وستواجه مجموعة من الخيارات المتضائلة والفرص المتضائلة باستمرار.
هي هنا لإرشادك، ولتحذيرك، ولتشجيعك، ولإعدادك. وهذا هو الهدف من الرسالة الجديدة. ولذا، ما سوف يجهزك هو شئ مختلف تماماً عن تجاربك السابقة وعلى أوسع نطاق — وعلى مقياس أعظم مما يمكنك أن تتخيله.
إذا كنت تعتقد بأن هذا مجرد تهديد، وإذا كنت تعتقد بأن هذا هو فقط توقع للعذاب والدمار، إذا لن تعرف هدية الحب الحقيقي، وأنك غير متجاوب، أو مسؤول حتى الآن أمام القوة العظمى التي تتواجد بداخلك، والتي وضعها الرب لإرشادك، ليباركك، وليجعلك تستعد.
الآن هو الوقت المناسب للبحث، والتعلم، والاستماع، والاتباع. انظر إلى العالم، واستمع إلى إشاراته. تعلم ما سيعلمك إياه، وماذا سيقول لك عما هو آت لذلك، عليك أن تبدأ بإعداد حياتك، وتبسيطها، وأن تحرر عن نفسك. أي شخص يستطيع أن يفعل ذلك الآن، قم بتبسيط حياتك. فما لا لزوم له — كالممتلكات، والالتزامات، والملكية، حتى العلاقات غير الضرورية — ليس سوى امتصاص لطاقتك، وصرفك بعيداً عن تحفيزك، وحماسك، وملء وقتك، وجعل عينيك مغمضتين عن العالم، وعن ظروفك. ولذا، فإنك لن ترى علامات التحذير قبل حدوث الأمور الصعبة والخطيرة إذا كان عقلك مشغولاً مع الأشياء الأخرى جميعاً.
لذلك، فلا بد بدايةً من وجود البساطة والوضوح في علاقاتك مع كل الأشياء، والأشخاص، أو أنه ستكون هناك نتائج عكسية ستسرق منك الرؤية، والطاقة، والهدف، والمعنى. يمكنك أن تبدأ بممتلكاتك، ثم ستضطر إلى مراجعة علاقاتك، وأنشطتك، والتزاماتك. لذا قم بتحرير وقتك. وتحرير طاقتك من أجل أن تبدأ بالاستعداد للموجات العظيمة من التغيير. لأنها ستتطلب منك تركيزاً هائلاً، وشجاعة ضخمة.
إن الكثير من الناس يعيشون في أماكن حيث لا ينبغي لهم أن يعيشوا فيها، ويتشاركون في ما لا ينبغي أن يتشاركوا فيه، فالأثرياء يضيعون أوقاتهم وحياتهم في ملاحقات ومطاردات لا معنى لها؛ حيث يكون الاستحواذ، والتملك هاجسهم، كما ويضيعون الموارد العظيمة التي بحوزتهم — والتي يمكن أن تكون في خدمة العالم وخدمة الآخرين — ويغرقون أنفسهم في الإدمان، والانغماس في الملذات لأقصى مدي ومعنى في حياتهم لذلك، فهم أكثر إثارة للشفقة — وفق عدة معايير واعتبارات — من الفقراء، لأنهم يُظهرون حقيقة الإسراف والوقاحة التي ولدتها البشرية لنفسها في تدميرها للعالم، وفي تدميرها لمواردها، وفي استنفادها للميراث الطبيعي.
لذا، عليك أن تبدأ في التقييم العميق، وهذا التقييم سوف يغطي كل جوانب حياتك.




