لقد أعطاك الرب العيون لتبصر والأذنين لتسمع، لكن هذه الرؤية وهذا السمع مختلفين تماماً عما اعتدت عليه. لأن إبصارك خافت بسبب ارتباك عقلك وعدد لا يحصى من الانطباعات من العالم التي تراكمت لديك لفترة طويلة جداً.
أذناك معتمتان. هم فقط منسجمون مع أشياء معينة، ويستمعون فقط إلى أشياء معينة.
لذلك، في حين أن لديكم الهبات الطبيعية بدرجات متفاوتة لدى الناس، إلا أنه في جميع الحالات تقريباً لم تتم تنمية هذه المنح وتطبيقها بحكمة وبشكل مناسب.
لقد أعطاك الرب ذكاء المعرفة الروحية الأعظم لإرشادك. ولكن لكي تطور قدرتك على إتباع المعرفة الروحية وتجربتها والتعبير عنها بشكل فعال في العالم — في عالم لا يتم فيه التعرف على المعرفة الروحية أو تقديرها — يجب عليك تطوير هذه المهارات.
جسدك هو أداة رائعة، لكن صفاتها الحقيقية لم يتم التعرف عليها وتطويرها في جميع الحالات تقريباً.
لقد أصبح عقلك طاغية، ظالماً تحكمه الأعراف الاجتماعية، الخوف، الرغبة والتوقع. لكنه أيضاً أداة رائعة للتنقل في عالم متغير، لخلق أشياء رائعة في خدمة الناس وكونه أداة اتصال. لكنه أيضاً لم تتم تنميته ولا يتم استخدامه لإمكانياته الأعظم ولهدفه الأعظم.
لكي ترى وتسمع بوضوح، يجب أن يكون عقلك ساكناً، أو سوف تنظر، لكن لا تبصر. سوف تنصت لكن لا تسمع. سوف تحاصر في اعتباراتك الداخلية، مهما كانت — الأوهام والمخاوف وحل المشاكل، والحكم على الآخرين وتقييمهم، والحكم على نفسك وتقييمها وما إلى ذلك.
لكي تبصر، يجب أن تكون حاضراً جداً، وتجذب انتباهك بالكامل إلى التركيز. كما لو كنت تنظر من خلال منظار، فأنت تحاول التركيز ورؤية شيء ما بعيداً بالفعل، وتستمع كما لو كنت تحاول سماع محادثة في مكان ما خلفك هناك، مما يمنحها انتباهك الكامل.
لذا فإن الخطوة الأولى هي الحضور الكامل للعقل، وهذا ليس بالأمر السهل على الناس لأنهم لم يمارسوه. إنه متاح لهم، لكنهم لم يمارسوا.
لديك عضلات في جسمك يمكنها القيام بأشياء رائعة، لكنها لا تستطيع تحمل أي وزن عظيم أو القيام بأي شيء يتجاوز الحركات البسيطة إلا إذا قمت بتطوير مهاراتها وتطبيقها. إنه نفس الشيء مع الرؤية والسمع.
لا يمكن أن يكون انتباهك لحظي. في النهاية يجب أن تكون قادراً على الجلوس لمدة ساعة والإستماع أو الرؤية والنظر — دون تدخل عقلك، دون محاولة التوصل إلى استنتاجات، دون محاولة الحصول على ما تريد، دون تقييم الموقف أو قدراتك — مجرد نظر وإستماع.
تتضمن الرؤية الحقيقية الإستماع الداخلي دائماً. هذا يشرك العقل بأكمله — يفتحه على حد سواء لإدراك العالم الخارجي وحضور المعرفة الروحية في العالم الداخلي.
أنت هنا تستمع للمعرفة الروحية. أنت تستمع لإستجابة أعمق. أنت لا تستمع إلى أفكارك أو عواطفك. أنت تستمع إلى العالم الخارجي في نفس الوقت لكل صوت صغير.
لذلك من الأفضل أن تتدرب في مكان هادئ جداً كبداية حتى لا تغمرك أصوات ومشاهد العالم من حولك — ربما معبد أو مسجد أو كنيسة أو في الطبيعة، مهما كانت البيئة الهادئة؛ أو غرفة أو خزانة، أي بيئة تكون هادئة.
بالنسبة للأشخاص الذين يعيشون في المدن الكبيرة حيث يوجد القليل جداً من الهدوء، يمكن في بعض الأحيان تحويل خزانة الملابس إلى بيئات ممارسة للحصول على تأثير عظيم.
تريد أن تكون قادراً على التركيز وألا يغمرك كل شيء من حولك، لذلك لا تعتقد أنه يمكنك التدرب في شوارع المدينة كبداية، لأنك لا تمتلك قوى التركيز والتمييز حتى الآن لتكون قادراً على العمل في مثل وضع كهذا صاخب وصعب.
مع عيونك مفتوحة وأذانيك مفتوحة، فأنت منخرط في الإبصار: رؤية على الخارج، وانصات على الداخل والخارج، كل ذلك معاً. مثل النسر الجاثم على قمة شجرة عظيمة، أنت تنظر وتسمع، وأنت ساكن تماماً من الداخل.
أنت لا تعرف حتى ما الذي تبحث عنه، لذلك دع كل ذلك جانب، هذا القلق ووهذا الإنشغال. أنت لا تعرف ما الذي تستمع إليه بعد، لذا اترك هذا القلق وهذه المشاغل على جنب.
تدرب على السمع لفترات قصيرة في البداية. في دراسة الخطوات إلى المعرفة الروحية، يمكنك التدرب في كل ساعة وفي كل لحظة على البحث والإستماع. يمكنك القيام بذلك في كثير من المواقف.
يحاول الناس رؤية الأشياء للحصول على الأشياء التي يريدونها. يستمعون إلى الأشياء التي يريدون سماعها. إنهم فضوليون. لديهم تفضيلات. وهكذا ينظرون، لكنهم لا يستطيعون الرؤية. إنهم يستمعون ولا يمكنهم السماع لأنهم متورطون في محاولة إشباع نوع ما من الرغبة، أو الإنغماس في نوع ما من الخوف.
لمساعدتك على تطوير إمكانية الإبصار هذه، من المهم أن تتدرب على التحديق — التحديق الذي ستفعله غالباً في الأماكن المغلقة في البداية حتى تمتلك مهارة أعظم. أنت تركز على شيء واحد بسيط ليس له سوى القليل جداً من المعنى — شيء لن يثير خيالك، شيئاً ليس لديك إلا القليل من الإرتباطات به، شئ عادي. فقط راقبه ومارس الإستماع الداخلي.
هذا لتدريب العقل على أن يكون ساكناً وملاحظاً، ليكون واضحاً وموضوعياً. إنه ليس ردة فعل على العالم. أنت لا تسقط أي شيء على العالم. ونتيجة لذلك، قد تكون الممارسة صعبة في البداية. لذلك أنت تتدرب لفترات قصيرة في مواقف مختلفة.
تدرب على التحديق عندما تكون بمفردك. تدرب على النظر والإستماع عندما تكون مع أشخاص آخرين أو في مكان هادئ.
في النهاية، سوف تتمكن من ممارسة هذا في أي مكان بفاعلية عظيمة.
هنا سوف تكون قادراً على سماع المعرفة الروحية تتحدث إليك كلما دعت الحاجة، وسوف تكون قادراً على أن تكون ساكناً ومرتاحاً للغاية في الفترات الطويلة الموجودة بين تلك اللحظات التي سوف تتحدث فيها المعرفة الروحية إليك.
العديد من الحيوانات لديها مهارة عظيمة في البقاء. فكر فيهم. يمكنهم النظر والإستماع دون حركة لفترات طويلة من الزمن. هذا يمنحهم مزايا هائلة في العالم الطبيعي.
الإبصار له تطبيقات أخرى أيضاً. بمجرد تطويرك لقدراتك الأساسية، يمكنك حينئذ اتخاذ مشكلة أو قرار والنظر فيه وممارسة الاستماع الداخلي. ضعه أمامك في عين عقلك — أو في العراء إذا كان شيئاً عملياً ويمكن تمييزه بصرياً — وما عليك سوى إلقاء النظر عليه.
قبل أن تتخذ إجراء، حتى قبل أن تقرر اتخاذ إجراء، قبل أن تقرر القيام بأي شيء، تنظر إليه. إذا كان شيئا مادياً أو مشروعاً، فيمكنك التجول حوله والنظر إليه — والحفاظ على عقلك ساكناً وممارساً الاستماع الداخلي.
هنا يمكنك أن تميز، إذا كنت ماهراً وصبوراً في ممارستك، ما الذي يجب عليك فعله بخصوص هذا القرار أو هذا المشروع أو هذا الموقف. إذا كان ذلك ظرفاً مع أشخاص آخرين، فيمكنك تخيله وتصوره والنظر إليه، وممارسات الاستماع الداخلي.
تجول في عقلك. راقب ذلك من كل زاوية، ولكن بعقل هادئ، مما يسمح لجسدك أن يكون أداة الإدراك التي كان من المفترض أن يكون عليها.
إذا فعل الناس هذا، فإنهم سوف يرتكبون أخطأ أقل في الحكم. لن يتم دفعهم إلى العمل في المواقف التي لا ينبغي أن يشاركوا فيها. لن يتفاعلوا مع الآخرين بحماقة، بلا تفكير. سوف يكونون أكثر حرصاً وتمييزاً في كيفية استجابتهم لمواقف الأشخاص والفرص والمخاطر.
عندما تكون خارج العالم، يجب أن تركز على بيئتك. لا تضع الموسيقى مستخدماً سماعات الرأس. لا تتحدث إلى ما لا نهاية على هاتفك. لا تحلم وتتخيل بعقلك بعيداً عن مكانك. يجب أن تراقب وتستمع.
عندما تخرج من باب منزلك، يجب أن تنتبه لبيئتك لتميز ما يحدث هناك، لتميز أي مخاطر أو أي تغييرات في النهج التي قد تكون ضرورية بالنسبة لك.
إذا فعل الناس ذلك، فسوف يرتكبون أخطأ أقل بكثير ويتجنبون الكوارث الرهيبة. لا يستغرق الأمر سوى لحظة واحدة من عدم الانتباه لإنهاء حياتك أو تغييرها تماماً.
تعرف الحيوانات هذا. إنهم ينتبهون. الناس لا يعرفون هذا. إنهم لا ينتبهون. لذلك على الرغم من ذكائهم وقدراتهم العظيمة، فهم أكثر عرضة لارتكاب أخطأ حمقاء وغير ضرورية.
من بعد ذلك، هناك إبصار عن بعد، وربما رؤية موقف تعرفه، أو مكان تعرفه. سوف يكون هذا أسهل للتدرب عليه أولاً.
يمكنك إحضاره إلى عقلك إذا كان من الضروري لك إدراكه، وممارسة الاستماع الداخلي — مرتاحاً وجالساً مستقيماً في بيئة هادئة.
إذا كان مكاناً مادياً، فيمكنك في عين عقلك التجول حوله أو السير فيه ومراقبته وفقاً لذاكرتك عنه، ولكن دون التفكير أو اتخاذ القرار من جانبك.
ثم هناك، إبصار شيء ما غير مألوف لديك، ربما تركز على بلد أو مدينة بعيدة جداً عنك. ربما يحدث هناك شيء ما يمثل تغييراً عظيماً أو صعوبة عـظيمة. يمكنك التركيز على هذا باستخدام نفس المهارات، إلا أنه لا يمكنك تخيل ذلك لأنك لست معتاداً عليه جسدياً. لكنك تجلب فكرة ذلك إلى عقلك، وتجلس بهدوء، وتتدرب على الاستماع الداخلي في بيئة هادئة.
كما هو الحال دائماً عندما تتدرب بهذه الطريقة، لا يقتصر الأمر على مجرد الحصول على شيء من موضوع تركيزك. إنه تطوير مهارات الاستماع.
ربما سوف تسمع شيئاً لا علاقة له بما تنظر إليه، شيئا تحتاج إلى معرفته، لذا بدلاً من التفكير فيه، قم بتدوينه. قم بتدوين ذلك للتركيز عليه لاحقاً والنظر فيه.
إذا كان شيء يتطلب اهتماماً فورياً، فأنت تحضر بصيرتك إليه وتستمع إليه. أنت تنصت له وتراقبه.
يكشف الأشخاص والمواقف لك عن الواقع إذا كنت حاضراً لرؤيتهم وإذا كان بإمكانك الاستجابة للمعرفة الروحية داخل نفسك.
هناك الكثير من الفعل والقليل من الإستماع، وعدم الرؤية الكافية، وعدم وجود ما يكفي من الحضور للأشخاص والمواقف والتجارب.
لذلك، يتحرك الناس، لكنهم لا يعرفون إلى أين يتجهون. إنهم متورطون، لكنهم لا يعرفون ماذا يفعلون. إنهم يتعاملون مع الآخرين، لكنهم لا يفهمون التعامل. لديهم تجارب، لكنهم لا يستطيعون تمييز معنى هذه التجارب. لديهم رفقاء، لكنهم لا يعرفون رفقاءهم. إنهم يقضون الوقت في فعل الأشياء، لكن الوقت لا يتم استغلاله بحكمة أو بشكل فعال.
من بعد ذلك، هناك إبصار تجربتك الشخصية، خاصة إذا تم تحفيزك بشيء قوي. شيء يثير فيك الرغبة أو الإثارة، أو شيء يثير فيك الخوف أو الرفض. في ممارسة التأمل، يمكنك الجلوس واستخدام أسلوب الإبصار والإستماع بالقرب من تجربتك الشخصية — إبصارها والإستماع إليها.
هنا تتراجع عن عقلك. إنه ليس من أنت. أنت تتراجع عن أفكارك. إنها ليست أفكارك العميقة. تتراجع عن الصور والتخيلات والأفكار والمشاعر والأوهام — كل شيء. دعهم يمروا بجانبك وأنت تراقبهم بموضوعية.
إذا كنت تمارس تأمل السكون، كما هو الحال في الخطوات إلى المعرفة الروحية، ولا يمكن لعقلك السكون، فمن الأفضل عندئذ ممارسة هذه الملاحظة — انظر إلى أفكارك تمر كالموكب، واترك العقل يفعل كل ما يريد فعله، واستمع بعمق في داخلك.
أنت تجلب نفس الممارسة هنا إلى عالمك الداخلي، إلى تيار الوعي. هذا مهم خاصة في الأوقات التي تثار فيها، سواء بشكل إيجابي أو سلبي، أن تتراجع وتراقبه وتمارس الإستماع الداخلي.
لذلك ترى هنا، فن الإبصار ينطبق على عالمك الخارجي. إنه ينطبق على الأشياء التي تعرفها والأشياء التي لا تعرفها. إنه ينطبق على تفاعلك مع الآخرين، وأنشطتك في العالم، وما تفعله بعقلك من لحظة إلى أخرى.
لكي يخدمك العقل حقاً، كما هو مصمم من أجله، يجب عليك إما أن تمارس هذا النوع من حضور العقل، أو أن تكون حاضراً للعقل وعوالمك الخارجية والداخلية، أو أن العقل في حالة راحة أو منخرط في نشاط بسيط ومفيد. هذه الأشياء الثلاثة تمنح العقل متنفساً وتطوراً أيضاً قدراته العظيمة.
لماذا يمكن لشخص متطور أن ينظر في عقلك ويميز دوافعك، لكن لا يمكنك النظر في دوافعهم وتفعل الشيء نفسه معهم؟ هذا لأنهم أكثر حضوراً وتركيزاً عليك مما أنت عليهم، وقد طورواً هذه القوى العقلية العظيمة.
في المجتمع الأعظم للحياة في الكون من حولك، هناك أعراق طورت هذه المهارات إلى مستوى عالٍ جداً. ليس الأمر أنهم أكثر ذكاء منكم في الأساس. كل ما في الأمر أن هذا كان محور تركيز رئيسي وحاجة رئيسية.
عندما تتعامل مع أعراق مختلفة في الكون، يجب أن تكون مُمَيِزَاً جداً. اللغة مشكلة. أنت تتعامل مع أنواع أخرى من الوعي وأنواع أخرى من القيم والأخلاق. أنت تتعامل مع كائنات تفكر بشكل مختلف، وتعيش وفقا لمبادئ مختلفة، ولديها تجارب مختلفة، وكان عليها أن تواجه أشياء مختلفة في تاريخها.
كيف سوف تتمكن من التواصل معهم بشكل فعال؟ كيف سوف تكون قادراً على فهمهم أو إدراكهم بشكل صحيح؟ كيف سوف تكون قادراً على معرفة دوافعهم وقدراتهم الحقيقية؟
سوف يتطلب الأمر حضوراً عظيم للعقل ومهارات عالية التطور حتى تتمكن من القيام بذلك. ولكن إذا كان للإنسانية أن تعمل في بيئة المجتمع الأعظم هذه، فيجب عليها رفع قدراتها في هذا الصدد، وخاصة بالنسبة للأفراد الذين من المقرر أن يصبحوا عرافين حقيقيين، وهو دور مهم للغاية في التعامل مع المجتمع الأعظم.
هنا ربما يكون لدى الفرد ميول طبيعية وهبات تمنحه ميزة أعظم في هذا الأمر، ولكن لا يزال يتعين عليه التدريب والإعداد — تدريب وإعداد مختلف تماماً عن أي شيء يتم تدريسه في جامعاتكم أو مؤسساتكم التعليمية. يأخذون هذه المهارات الأساسية في جميع مجالات التطبيق ويرفعونها إلى درجة عالية جداً.
يمكنهم الجلوس لأيام، ومركزين على شيء ما، ويقضون وقتهم للراحة والتغذية فقط. يمكنهم سماع الأشياء التي لا يمكنك سماعها ورؤية الأشياء التي لا يمكنك رؤيتها وتمييز الدوافع والتأثيرات في البيئة العقلية، أشياء لا يمكنك التعرف عليها لأن نطاق بصرهم عميق وحضورهم العقلي قوي وارتباطهم مع المعرفة الروحية شديد.
يمكنهم الرؤية أبعد وسماع أكثر. إنهم صبورون للغاية. قد يستغرق الأمر أياماً أو أسابيع أو شهوراً للحصول على اعتراف نهائي بشيء مهم. لكنهم سوف يكونون حاضرين لذلك.
كما هو الحال اليوم، لا يمكن للناس الجلوس لمدة خمس ثوان دون أن يصبحوا متوترين أو متأزمين أو يشردون بخيالهم أو أحلام اليقظة.
لكن كما ترى، الرؤية والسمع الحقيقيين ليسوا مخصصين للفرد الاستثنائي. إنه ليس تخصصاً يجب أو يمكن لعدد قليل من الناس ممارسته.
هذا هو ما تحتاجه لتمييز معنى تعاملاتك مع الآخرين؛ لتمييز فهمك العميق وأفكارك واحتياجاتك؛ لتعرف إلى أين تتجه حياتك والدرجة التي تتجه إليها؛ لتمييز معنى جميع ارتباطاتك الحالية والمستقبلية مع الآخرين؛ لتمييز قيمة الفرص وما إذا كان ينبغي اغتنامها أم لا؛ لتمييز ما يحدث في بيئتك وفي قريتك ومدينتك ودولتك لترى كيف تؤثر موجات التغيير العظيمة التي تأتي إلى العالم على الناس حتى في هذه اللحظة وتؤثر على الظروف والفرص من حولك.
كل ما تحتاجه وتطلبه حقاً في الحياة يصبح ثمرة للإبصار والاستماع والاستجابة بشكل مناسب — بصبر عظيم ومثابرة عظيمة وسكون وموضوعية وعطف وقدرة على فصل نفسك عن خوفك وملاحظته لمعرفة ما إذا كان الخوف أصيلاً وحقيقياً، إذا كان يعطيك تحذيراً، أو إذا كان مجرد انغماس من العقل.
كل شخص يعاني من الخوف. في الواقع، الخوف هو أساس تفكير معظم الناس ورغباتهم وانشغالاتهم. إذا تمكنوا من فصل أنفسهم عن هذا الخوف وتمييز ما هو الخوف الحقيقي، ما هي في الواقع إلا علامة تحذير وكل شيء آخر هو مجرد قلق بشأن الخسارة المستقبلية والرغبة في كسب موافقة الآخرين لمنع الخسارة المستقبلية، الاختلاف في تجربتهم في الحياة سوف يكون عميق. إن الأمر مثل الفرق بين الليل والنهار، الفرق بين الجنة والنار.
إذا كان بإمكانك ممارسة الإبصار والاستماع في الميادين التي وصفناها، والممارسة بشكل متزايد، يومياً، وتطوير الوقت والنهج لنفسك نظراً لظروفك، فسوف تكون قادراً على تجربة قدر أعظم من السلام والاتزان والتحرر من قمع تفكيرك وتفكير الآخرين، حتى تفكير ثقافتك وأمتك. هذه هي الحرية، وهي تمنحك الرصانة والوضوح وقوة التمييز والتحفظ.
عندما تكون مع الآخرين، تدرب على الاستماع إليهم — ليس فقط إلى كلماتهم وإيماءاتهم، ولكن إلى نواياهم الحقيقية وما يحاولون توصيله من خلال كلماتهم وإيماءاتهم، والتي غالباً ما تكون مختلفة جداً عما يقولونه بالواقع الخارجي. أنت تشاهد، وتتدرب على الاستماع الداخلي.
هذا تغيير كامل في كيفية تفاعلك مع العالم ومع الآخرين. إنه تحول كامل إلى طريقة مختلفة للكون، إلى طريقة أكثر طبيعية للكون، إلى طريقة أكثر قوة وفعالية للكون.
عندما تتحدث، تدرب على الاستماع بشكل أعمق داخل نفسك لترى ما إذا كانت كلماتك ضرورية، لترى ما إذا كنت تنقل ما يجب توصيله في تلك اللحظة، لمعرفة ما إذا كان يجب عليك التحدث على الإطلاق، وإذا كان الأمر كذلك، فما الذي يجب أن تتحدث عنه؟ ماذا يجب أن يقال في هذا الارتباط مع الناس؟
إذا كنت تنظر وتستمع، يمكنك تمييز ديناميكيات أي مشاركة بشرية، وجودة نهج الأشخاص ودرجة صدقهم. يمكنك تمييز حالتهم بعطف. يمكنك حتى أن تميز استعدادهم لتعلم أشياء أعظم. يمكنك تمييز ما إذا كان يجب عليك التحدث أم لا، وما إذا كان يجب عليك تقديم شيء أم لا، وما إذا كان يجب عليك تغيير المحادثة أم لا.
هنا لست مضطراً للتحدث بدافع الحاجة إلى الاعتراف الاجتماعي. أنت تكسر هذه الروابط، هذه الإكراهات، هذه العادات، هذا الإدمان من خلال ممارسة فن الإبصار.
سوف تمنحك الخطوات إلى المعرفة الروحية الطريق لتطوير هذه المهارات العظيمة. وأنت بحاجة إليهم. أنت في حاجة إليهم الآن. كنت بحاجة لهم أمس. كنت في حاجة إليها طوال الوقت.
لكن تعليمك علمك أن تفكر في الأشياء التي لا قيمة لها وأن تتبع الآخرين من حولك كما لو كنت جزءاً من قطيع من الماشية، وأن تفكر بالتوافق مع الآخرين، وأن تصبح مهووساً ومشاركاً في الخطاب الاجتماعي. حتى لو كان لا يحمل أي معنى وغير ناضج.
أنت الآن تتراجع. تتدرب في هدوء غرفتك أو خزانتك. تتدرب في مكان هادئ في المدينة أو القرية، أو ابحث عن مكان هادئ في الطبيعة لتبدأ في تطوير هذه المهارات العظيمة الضرورية جداً لعيش حياة هادفة وذات مغزى.
تكتسب المهارة وأنت تتدرب. اطلب المساعدة من شخص ممارس وأكثر تقدماً منك، إذا كان ذلك ممكناً.
اعلم أنه لا يمكنك تعليم نفسك. يجب أن تتدرب على استخدام منهج أعظم وإرشادات أعظم وجودة أعلى في الارتباط مع شخص آخر واحد على الأقل.
فكر في الرسول وما يجب أن يمارسه. شارك ممارسته.
فكر في حاجات حياتك والقوة التي يمكن أن يجلبها لك فن الإبصار في جلب نعمة الرب وقوته إلى شؤونك.
يجب حل مشاكل معينة في الحياة فكرياً، خاصة التعامل مع التكنولوجيا أو الأشياء الميكانيكية، الأشياء العملية. لكن أولا، مثل النجار الحكيم، يجب أن تنظر وترى ما يتطلبه الموقف. أنت تنظر وترى قبل أن تتصرف. أنت لا تغوص في الموقف فقط ما لم تكن حالة طارئة.
يعتبر الإبصار والإستماع مهارات ذات قيمة أعظم بكثير من أي مهارات عملية يمكنك تطويرها وسوف تعطي توجيهاً أعظم وقوة وفعالية أعظم لأي مهارات عملية تقوم بتطويرها، باتباع فن الإبصار.
سوف تنشأ أسئلة كثيرة بخصوص هذه الأشياء. سجلهم. اطلب المساعدة. مارس فن الإبصار فيما يتعلق بهم. احصل على رفيق حكيم، إذا أمكنك العثور على واحد قريباً، يمكنه مراجعة استنتاجاتك لمعرفة ما إذا كانت سليمة أم لا — على مستوى المعرفة الروحية.
لا تقلق مما يفعله الآخرون. لا تشغل بالك بالحالة العقلية لعامة الناس. أنت مدعو للقيام بإعداد أعظم في الخدمة ليس فقط لك ولعائلتك، ولكن حقاً في خدمة العالم بأسره.
لأن هذه المهارات العظيمة يجب أن يتم تطويرها من قبل عدد كاف من الناس لكي تدرك البشرية وتميزها وتستعد للتغيير العظيم الذي سوف يأتي إلى العالم ولمواجهته مع عالم من الحياة الذكية، حيث تكون قوى الإبصار وقوى التأثير أعظم بكثير مما يمكن للبشرية أن تمارسه على نفسها.
أنت بحاجة إلى التحرر من حياتك الدنيوية والمربكة. يجب أن تتحرر لتجربة أعظم وفي النهاية مشاركة أعظم في عالم يتغير بشكل أساسي.




