من المهم أن تأخذ خلوة روحية بشكل دوري، وخاصة في الأوقات التي تكون فيها قرارات مهمة أمامك. إن الخلوة الروحية هنا ليست مجرد هروب من حياتك الخارجية أو إرجاء من واجباتك ومسؤولياتك الخارجية. بدلاً من ذلك، فإن الخلوة الروحية هي وقت للتركيز على قوة وحضور المعرفة الروحية في داخلك، الذكاء الأعمق الذي وضعه خالق كل الحياة بداخلك لإرشادك وحمايتك وقيادتك إلى إنجازاتك العظيمة في الحياة.
من المهم أن ترى ما تشير إليه المعرفة الروحية بالنسبة لك. غالباً ما تمر هذه المؤشرات دون أن تلاحظها لأنك مشغول للغاية، ومحبوس للغاية. حياتك مليئة بالكثير من الأشياء. لهذا السبب يجب عليك الانسحاب من العالم الخارجي، والانسحاب من علاقاتك الأساسية، والانسحاب من أنشطتك العادية للبحث عن خلوة روحية.
لا يمكنك القيام بهذه الخلوة إذا كنت تتأثر باستمرار بأشياء طبيعية في حياتك اليومية — المحادثات، ووسائل الإعلام، ومشاكل لتحلها، والتزاماتك تجاه الآخرين، والأشياء التي يجب مراعاتها وكل الأشياء التي لا تعود ولا تحصى التي ينخرط فيها الأشخاص، سواء كانت أموراً عملية أو خيالية. الخلوة الروحية هي عزلة عن الحياة الخارجية وذاتك الخارجية، لتجربة حياتك الداخلية وطبيعتك الأعمق، والتي تمثلها المعرفة الروحية.
انسحب إذن، والجأ إلى مكان مختلف إن أمكن. إذا لم يكن ذلك ممكناً، فتعهد بالصمت حيال الأشخاص الذين قد تعيش معهم، وانسحب إلى أهدأ مكان ممكن. خذ هذا الوقت، الذي قد يمتد لعدة أيام أو حتى أسابيع — نوع من الإجازة من العالم الخارجي، نقاهة، لكن نقاهة لهدف ما.
لأنه ضمن خلواتك الروحية يجب عليك إعادة النظر في مكانك وماذا تفعل، ومن أنت معه وماذا تفعل معهم، للتحقق للتأكد من أن كل هذه الأشياء صحيحة حقاً ومناسبة لك.
الناس لا تتحقق من هذه الأشياء. لذلك يتخذون القرارات ويحاولون التكيف مع قراراتهم ونتائج قراراتهم، ويفقدون قدرتهم على إدراك حقيقة وضعهم ويعانون بشكل عظيم نتيجة لذلك.
حيرة لا نهاية لها، ومفاوضات لا نهاية لها مع الآخرين، وخلاف لا نهاية له، وقلق لا نهاية له، في حين أنهم في الواقع كانوا منخرطين بشكل غير صحيح في البداية، وقد استثمروا الآن وقتهم وطاقتهم ومواردهم في مشاركة لم تكن مناسبة أبداً.
المكان الذي تعيش فيه، ومن تعيش معه، وكيف تقضي وقتك، وماذا تهتم به وما تخبر نفسك به، كلها أمور مهمة للغاية في تحديد ليس فقط ما سوف تجلبه لك الحياة، ولكن أيضاً ما سوف تتمكن من رؤيته ومعرفته وفعله.
لذا، بينما يتزايد الضغط، ويزداد الشعور بالخلاف وعدم الارتباط عن نفسك، فقد حان الوقت للخلوة الروحية. سوف يستغرق الأمر يوما أو يومين فقط حتى تعتاد على عدم وجود كل هذه الأشكال الأخرى من التحفيز. سوف يعمل عقلك في حالته المحمومة المرهقة، لذلك سوف يستغرق الأمر وقتا لتهدئة كل شيء.
هنا من الحكمة الاستماع إلى صوت الرسالة الجديدة، وقراءة الكتب المقدسة للمعرفة الروحية، وقضاء الوقت في الاستماع داخل نفسك لتجربتك الأعمق.
مهما فعلت هنا، يجب أن تكون هادئاً وخامداً. أنت لا تحاول الحصول على الأشياء. أنت لا تحاول حل المشاكل. أنت لا تحاول الحصول على بصيرة. أنت لا تحاول الوصول إلى أي مكان. أنت ببساطة تحاول أن تبطئ لترى ما إذا كانت هناك أشياء تحتاج إلى معرفتها.
بمجرد أن يهدأ عقلك بشكل كاف، فقد حان الوقت لمراجعة القرارات الأخيرة التي اتخذتها. تسأل نفسك مع كل شخص يمكنك تحديده: ”هل كان هذا قراراً حكيماً؟“ أنت تطرح هذا السؤال فقط في سياق تلقيك الجواب الإيجابي أو السلبي. لديك فقط عدد قليل من الخيارات في الإستجابة: إيجابي أو سلبي؛ أو إيجابي ضعيف أو سلبي ضعيف.
إذا كنت متشككاً أو قلقاً، فعليك أن تهتم بهذا السؤال. فهو دليل على عدم اليقين. إنه دليل على الصراع والشك. إذا سألت بصدق مع الرغبة في المعرفة، فسوف تشعر بالصدى مع المعرفة الروحية.
إذا كان الجواب لا، فعليك ببساطة قبول هذا دون تفسير، وكن مع هذا الجواب وتجربتك الخاصة. إذا كانت الإجابة نعم، فسوف تشعر بذلك ببساطة على أنها حالة هادئة داخل نفسك. لا يوجد تعارض أو مشكلة هنا.
راجع قراراتك الأخيرة. إذا كنت قد ارتكبت خطأ، فيمكنك أن تسأل: ”هل يجب أن أفعل شيئاً مختلفاً بخصوص هذا الأمر؟“ الجواب سوف يكون نعم أم لا. إذا كانت الإجابة نعم، فسوف يتعين عليك التفكير في كيفية احتياجك لتصحيح هذا الموقف، وكتابة أفكارك وبصائرك هنا.
من بعد ذلك، من المهم مراجعة ظروفك الأساسية. هل تعيش في المكان المناسب؟ نعم أو لا. هل أنت مع الأشخاص المناسبين؟ نعم أو لا. هل نوع عملك مناسب لك الآن في هذا الوقت؟ نعم أو لا. هل هواياتك أو أنشطتك الأخرى مناسبة؟ حدد كل منهم. نعم أو لا. اكتب ردودك. إذا كانت هناك أشياء يجب إعادة النظر فيها، فاسأل نفسك: ”هل هناك شيء يجب أن أفعله حيال هذا الآن؟“ نعم أو لا.
يمكن أن تكون هذه الأسئلة صعبة للغاية. قد يتحدون مجموعتك الأساسية من الإفتراضات. قد يتحدون شيئاً استثمرت فيه نفسك بالفعل. قد يتحدون تفضيلاتك ورغباتك. لكن ما تفعله هنا حقاً هو أن تكون أمينا مع نفسك، وأن تكون صادقاً مع نفسك.
إن الرغبة في شيء غير مناسب لك وإلزام نفسك بهذا هو شكل من أشكال عدم الأمانة مع نفسك، نوع من الخيانة. وتريد أن تتأكد في الحياة أنك لا تخون نفسك أو تخون ميولك الأعمق. لأنه إذا كنت كذلك، فأنت تعاني، وتفقد قوة الحياة والطاقة والوقت في موقف لا يمكن أن ينجح، مما يجعلك منفتحاً وعرضة لمزيد من المعاناة والخلاف. سوف تسعى المعرفة الروحية بداخلك إلى التخلص من هذه الأنواع من الأخطاء، التي يرتكبها الناس بشكل شائع، والهدر الرهيب الذي يخلقونه في حياة الشخص.
إذا كان يجب إجراء تغيير ويجب عليك اتخاذ إجراء الآن، فقد تطرح أشياء مختلفة يمكنك القيام بها، ولكن في سياق تلقي إجابة إيجابية أو سلبية. لا تفسيرات. سوف توجهك المعرفة الروحية ولكن لن تشرح لك.
ولكن قبل أن تتمكن من البحث عن حل، يجب أن ترى ما إذا كان لديك حق القلب والنية لتغيير الموقف. هنا يجب أن تكون صادقاً جداً مع نفسك. إذا لم تكن مستعداً لإجراء مثل هذا التغيير، وإذا كان تغييراً خطيراً في حياتك، فعليك أن تقول لنفسك هذا: ”أنا لست مستعداً“ — دون إنكار حقيقة الموقف، أو محاولة البحث عن تسوية أو إبرام اتفاق. قد تقول: ”أعلم أنني يجب أن أترك هذه العلاقة، لكن في هذه اللحظة لست مستعداً.“ هذا أمر صريح في الوقت الحالي، لكن الأمر لا يعفيك من مسؤوليتك في اتخاذ إجراء بشأن هذا.
سوف تحتاج إلى العودة إلى هذه الأسئلة عدة مرات. مرة واحدة لا تكف. وإذا كانت نواياك صادقة ومخلصة، حيث تريد معرفة الحقيقة قبل كل شيء، فإن المعرفة الروحية سوف تكون متسقة. لكن يجب أن تفهم أنه لا يمكنك تقديم تنازلات مع المعرفة الروحية. لا يمكنك عقد صفقة. لا يمكنك أن تقول، ”سوف أفعل القليل من هذا، إذا أعطيتموني القليل من ذلك.“
لا يوجد تفاوض مع الحقيقة. يمكنك إما احتضانها أو الهروب منها. لكنها لا تغير نفسها لتلبية تفضيلاتك. يجب أن تأتي إليها بشروطها وليس بشروطك. هذا هو ما سوف يظهر لك أن المعرفة الروحية تتجاوز العقل وليست نتاجاً لإبداعك أو تفضيلاتك الخاصة. إنها ليست شكلاً من أشكال خداع الذات، ولكنها الشكل النهائي لتصحيح الذات.
خلال وقت الأسئلة هذا، خذ فترات من ممارسة السكون، والتي يمكنك تعلم القيام بها في دراسة الخطوات إلى المعرفة الروحية. سوف يمكنك السكون من الشعور بحالة حياتك والتواصل مع تجربتك الأعمق. سوف يعلمك أيضاً أن تركز عقلك. سوف يعلمك هذا مع مرور الوقت كيف تنزلق تحت سطح العقل، حيث تعيش معظم الوقت في حالة من الحيرة والشك.
هنا تكتسب علاقة مع حياتك الداخلية وتبني طريق إليها، خطوة بخطوة. دون أن يحفزك العالم باستمرار ويلهيك ويعطيك أشياء غير ضرورية للنظر فيها، يمكنك في الواقع التركيز بقدر عظيم على هذه الأسئلة الأساسية حول ظروفك.
إذا كنت في المكان الخطأ أو مع الأشخاص الخطأ أو تحاول علاقات غير مناسبة أو تهدر قوة حياتك على أشياء ليس لها قيمة مستقبلية أو حقيقية، فلن ينجح أي شيء حقاً من أجلك. سوف تكون استنتاجاتك خاطئة لأن مبانيك غير صحيحة. وسوف يكون استثمار الوقت والموارد والطاقة حقاً مضيعة لك وللآخرين.
من المهم جداً أن تكون على حق في حياتك ومع نفسك. إن أمر ينتج عنه نوع من الرضا والاتزان العميق لا يمكن لأي شيء آخر إنتاجه. إنه يعيد لك احترامك لذاتك وثقتك بنفسك بمرور الوقت.
خذ وقت الخلوة هذا للاستماع إلى صوت الرسالة الجديدة، والاستماع إلى الرسول، وقراءة كتب المعرفة الروحية لأنها سوف تنعش عقلك وسوف تذكرك باستمرار بأن لديك ذكاء أعظم في داخلك لإرشادك وحمايتك كما تمنحك الوضوح عندما تحتاجه حقاً.
خلال هذا الوقت، يمكنك التدرب على التحديق حيث تنظر إلى شيء ما ليس له أهمية وتترك عقلك ساكناً، مجرد التواجد في تلك اللحظة. هذا مريح للغاية للعقل، لأن العقل بحاجة إلى راحة عظيمة إذا كان عليه أن يتحمل مسؤوليات أعظم ويخدمك في مساعيك المهمة.
أثناء خلوتك، لا تأكل أي شيء محفز للغاية، أو تشرب أي شيء محفز أو يغير حالتك، لأنك تريد أن تختبر مكانك الحقيقي، وكيف تشعر حقاً وما تعرفه حقاً.
لا تخف أو تحم أي شيء هنا. راجع أعظم عدد ممكن من الأشياء، حتى الأنشطة الصغيرة، لمعرفة ما إذا كانت تخدمك حقاً لأن كل نشاط وكل تفاعل في الحياة إما يمنحك الطاقة أو يسلبها. لا توجد علاقات محايدة. إما أنها ذات مغزى وهادفة أو ليست كذلك.
حتى هواياتك وملذاتك يجب أن توفر لك الراحة وتحفيزاً صحياً وكاملاً. لا تريد أن تخون نفسك أكثر من خلال الانخراط بلا تفكير في أشياء أو الانخراط مع أشخاص أو علاقات ليس لها مكان تذهب إليه.
من أول الأمور التي يجب على طالب علم المعرفة الروحية القيام بها هو التوقف عن فقدان الطاقة والوقت والوعي بالأشياء الغير مناسبة لهم. هذا هو السبب في أن التقييم يجب أن يستمر، ويستمر خلال مسار خلوتك الروحية. وكلما أصبحت أكثر وعياً وكفاءة في هذا الأمر، فإنه يستمر في حياتك اليومية.
هنا يمكنك تجنب الأخطاء قبل حدوثها. أنت [قادر] على التعرف على الارتباطات الغير مناسبة قبل التعامل معها. أنت قادر على الرؤية والمعرفة قبل أن تتصرف لأنك تقدم هذه الرعاية وهذا الوعي لكل شيء تجلبه لك الحياة.
لهذا السبب يستمع الحكيم أو المرأة الحكيمة وينظرون كثيراً. إنهم يميزون البيئة. إنهم يدركون نوايا الآخرين. إنهم يميزون اتصالاتهم الخاصة مع الآخرين. إنهم يشعرون بالحضور من حولهم ليروا ما ينقله. إنهم لا يتحدثون كثيراً. إنهم لا يثرثرون كثيراً. إنهم يحضرون في اللحظة، يحضرون مع الناس، يحضرون لتجربة الحب والألفة، يحضرون لتجربة الخلاف والتنافر، يحضرون لكل ما هو موجود.
كلما اكتسبت هذه المهارة بمرور الوقت، سوف يكون من الصعب عليك ارتكاب الخطأ. لكن يجب أن تأخذ الخلوة الروحية لتبدأ في اكتساب هذه المهارات والقدرات. إنها لا تحدث على الفور، وأنت لا تمتلكهم بالفعل إلى حد ملحوظ. لذلك يجب تطويرهم بمرور الوقت ومن خلال الممارسة.
إذا كانت خلوتك الروحية فعالة، فسوف تبدأ في رؤية مقدار ما تفتقده في الحياة، ومدى عدم وجودك مع نفسك أو مع الآخرين، وكيف أصبحت محاصراً في رغباتك أو الأحداث التي تشارك فيها. وسوف ترى مدى سهولة ارتكاب الأخطاء أو سوء تقدير المواقف أو إساءة تفسير نوايا الآخرين أو أنشطتهم المتعلقة بك. أنت تتعلم هنا على النقيض من ذلك. في حالة أكثر هدوءا وإدراكا، ترى التناقض بين ذلك وأنشطتك العادية.
هذا التباين ضروري لأن الناس لا يعرفون أنهم لا يعرفون. إنهم لا يدركون أنهم يخونون أنفسهم ويتكيفون مع المواقف الغير صحية للغاية بالنسبة لهم. إنهم لا يعرفون ما يحتاجون إلى معرفته. إنهم لا يعرفون ما معنى أن يكون المرء هادئاً ومراقباً. إنهم لا يعرفون معنى أن يكونوا قادرين على سكون العقل وتجربة الحضور الواسعة هناك. عادة ما ينخرطون في مجموعة من الأنشطة وفي حالة عقلية يعرفون أنه لا يوجد شيء آخر. إنه فقط كيف هم، أو هكذا ما يعتقدونه.
إنهم مدمنون على الأشياء ولا يعرفون ذلك. إنهم يبرمون اتفاقيات تخونهم ولا يعرفون ذلك. إنهم يقولون نعم للأشياء التي لا ينبغي لهم الموافقة عليها. وأحيانا يقولون لا للأشياء المفيدة حقاً. ومع ذلك، كيف سوف يعرفون هذا، إذا كانوا محاصرين كما هم، مرتبطين بشكل اعتيادي، إذا لم يأخذوا خلوة؟
الطريقة الوحيدة التي يمكنهم من خلالها اكتساب قدر أعظم من الوعي الذاتي هي خيبة الأمل المطلقة أو الخسارة الشخصية. أو نوع من الصدمة لحياتهم تعيدهم للوراء وتجبرهم على إعادة التفكير في وضعهم وقراراتهم ودوافعهم وأنشطتهم.
لكن الصدمة والخسارة والفزع — على الرغم من أنها قد تكون فعالة جداً في بعض الأحيان — هي طريقة مكلفة للغاية لتعلم الحكمة. إنها طريقة مكلفة للغاية لإكتساب الوضوح والحكمة حول أفعال الفرد وانخراطه في الحياة.
لماذا تدفع مثل هذا الثمن الباهظ؟ لماذا تدع الأمور تتدهور إلى درجة عظيمة بحيث تجد نفسك في أزمة قبل أن تكون على استعداد للنظر حقاً في جدارة أنشطتك؟
إذا كنت سوف تستمر في هذه الممارسة، فسوف تبدأ في رؤية تكلفة الخطأ. إنه يكلفك حياتك، ويكلفك ثقتك بنفسك، ويكلفك نزاهتك، ويكلفك فرصاَ أكبر للعلاقات التي هي معنيه لك، ولكنك غير مستعد لها الآن.
إنها يكلفك كل شيء حقاً. لكن يوماً بعد يوم، تسمي هذا أمراً طبيعياً وتتأقلم معه. أنت تتكيف مع الأشياء الغير مرضية حقاً، وتتكيف مع العلاقات الغير متممة والتي تفتقر إلى الهدف والمعنى. أنت تتكيف مع حالة عقلية من الضغينة والقيود والخوف وانعدام الثقة.
لا تنتظر المصيبة لتظهر لك أنه يجب عليك التوقف. لا تنتظر وقوع حادث خطير أو مرض أو خسارة شخصية لتظهر لك أنه يجب عليك التوقف لإعادة النظر فيما تفعله.
تعد الخلوة الروحية هنا فرصة عظيمة إذا كنت تعرف كيفية استخدامها، وإذا كنت تدرك حاجتك إليها، وإذا كنت صبوراً فيها. فيما يتعلق بالقرارات الرئيسية في الحياة، قد يستغرق الأمر وقتاً للتصالح معها لأن عقلك سوف يرغب في المساومة ويرغب في الإنكار ويريد أن يكون عقلانياً — كل هذه الأشياء التي يفعلها الناس لمحاولة التحدث عن أنفسهم من خلال تجربتهم الخاصة، لمحاولة جعل الحياة تمنحهم ما يريدون بدلاً من أن تظهر لهم ما يعرفونه حقاً.
عليك أن تستمر في العودة إلى المعرفة الروحية. هي لا تتغير مثل شخصيتك. هي لا تتأرجح مثل رغباتك. هي لا تتغير من يوم لآخر. إنها مستقرة وقوية وحقيقية ولا يمكنك تغييرها. لكن هذه الأشياء هي التي تجعلها حقيقية وأصيلة وموثوقا بها — مصدراً للحكمة واليقين والتوجيه بالنسبة لك، وهو أعظم مصدر يمكنك الحصول عليه.
إنك تأخذ خلوة روحية لتأخذ فترة راحة من العالم الخارجي، ولكن بشكل أساسي فإنك تأخذ الخلوة الروحية للوصول إلى المعرفة الروحية داخل نفسك. إنك لا تصل إلى المعرفة الروحية كتجربة رائعة أو مبهجة، لكنك تصل إلى المعرفة الروحية للبحث عن الوضوح واليقين والحل.
لأن الهدف الأول للمعرفة الروحية هو رفع أعبائك، لتوضيح حياتك، وتبسيط حياتك، وتمهيد الطريق لك، وتحريرك مما لا يمكن أن ينجح، وتمكينك من التحرر من التأثير السائد للآخرين، والمطالب، وتوقعات الآخرين.
قبل أن تضعك المعرفة الروحية في مسار أعلى في الحياة، يجب أن تحررك من أعبائك الحالية. ويجب أن تعلمك طريقة أخرى للتفكير والعيش مع الحياة. سوف تعلم هذا من خلال التناقض الدرامي — التناقض بين ما تعرفه وتجربة ما تعرفه مع المعرفة الروحية، وملاحقاتك ورغباتك ومخاوفك.
المعرفة الروحية هادئة في كثير من الأحيان. خذ تلك الأشياء التي تعتقد أنك تريدها واجلبها إلى المعرفة الروحية. إذا كانت المعرفة الروحية لا تستجيب، فلا يجب أن يكون الأمر بهذه الأهمية، أليس كذلك؟ إذا لم تكن الرغبة أو الهدف على مستوى المعرفة الروحية، فلماذا تمنح نفسك لهذا الشخص أو هذا الشيء أو هذا الإستحواذ بمثل هذا الشغف؟ لماذا أنت مفتون جداً ومتأرجح ومصاب بالهذيان ومخمور؟
أنت تذهب إلى المعرفة الروحية، وهي صامتة، تنتظر منك أن تصبح متيقظاً، مما يخلق تبايناً ضرورياً لك لمعرفة الفرق بين أن تكون مفتوناً بشيء ما وأن تكون صادقاً مع نفسك. سوف تصاب بالصدمة لمعرفة مدى استعبادك لرغباتك وآمانيك. سوف تصاب بالصدمة لرؤية مدى عماك وعدم استجابتك في الحياة ومقدار ما فاتك نتيجة لذلك. قد يكون هذا صادماً ومحبطاً لرؤية الهدر الذي خلقته. لكن لا تدع هذا الإعتراف يمنعك من إتباع طريقة المعرفة الروحية. لأنك لا تريد أن تضيع حياتك الآن. وقتك ثمين. كل يوم ثمين.
ما تمارسه هو ما سوف تحصده. ما تمارسه هو ما سوف يصبح دائماً. إذا مارست الجهل والتحيز وإنكار الذات، فسوف يصبحون دائمين بالنسبة لك. إذا كنت تلتزم فقط بتكييفك الإجتماعي أو تأثير الآخرين، فسوف يصبح ذلك دائماً بالنسبة لك ويصعب عليك تحرير نفسك منه في المستقبل. يصبح السجن أكثر صلابة، وتصبح جدرانه أكثر سُمْك، وتكون قيوده أكثر قمع.
ضمن خلوتك الروحية، من المهم أيضاً إراحة العقل ومعالجة الجسد جيداً، وعدم إعطائه أشياء غير صحية، ولكن التعامل معه بشكل جيد — اسمح له باستعادة قوته، واسمح لعقلك بممارسة السكون والنظر والتحديق. للإستمتاع بالطبيعة، والبحث عن العزلة، والتعافي من قصف كل تحفيز العالم، والتواجد مع تجربتك والإستمرار في البقاء مع تجربتك، وإعادة عقلك بعيداً عن الخيال والالهاء، وتذكر نفسك: ”ما الذي أشعر به حقا؟ في هذه اللحظة؟“
إذ لم تحكم عقلك، فسوف يحكمك. سوف يصبح فوضوي ومدمر ومشتت وأعمى وجاهل. ليس لديه حكمة. من المفترض أن يخدمك، لا أن يحكمك.
في خلوتك الروحية، لديك فرصة لبناء هذه العلاقة الجديدة مع عقلك، وعلاقة صحية مع جسدك، والالتزام بالاستماع إلى داخل نفسك عندما تواجه قرارات مهمة وأن تكون صادقاً بأفضل ما لديك من حيث أين أنت وماذا تفعل. هذا هو العمل، وهو العمل، سوف يعيد لك هذا العمل تقديرك لذاتك واحترامك لذاتك — الأشياء التي تتآكل بسهولة في العالم، وتتآكل بشكل غير محسوس تقريباً، يوما بعد يوم.
ضمن خلوتك الروحية، قد تسعى للحصول على إرشاد من معلم روحي، والأمر الذي قد يكون مناسباً إذا كان هذا المعلم معلماً للمعرفة الروحية وليس مجرد معلم للطرق والأفكار؛ معلم يفهم الحياة الأعمق؛ معلم سوف يساعدك في اكتشاف وتجربة ما تشعر به حقاً وتعرفه عن ظروفك.
ولكن حتى الاتصال بالمعلم أثناء الخلوة يجب أن يكون ضئيلاً للغاية وفي بعض الأحيان لا يكون ضرورياً على الإطلاق. خلوتك هو انسحاب من أصحاب التأثير في معظم الأحيان. أنت تبحث عن بوصلة داخلية خاصة بك الآن. لذلك لا تريد أن تؤثر عليك تأثيرات قوية في هذا الوقت.
لا تجعل السلام هو الهدف من خلوتك. سوف يأتي السلام إليك بشكل طبيعي وبشكل هائل بينماً تحل النزاعات والتسويات في حياتك.
لا تجعل السعادة هدفك للخلوة أو سوف تبحث فقط عن الأشياء الممتعة، وسوف تفوت الفرصة العظيمة التي لديك لإعادة تقييم حياتك وظروفك واكتساب علاقة أعمق وأعظم مع نفسك.
لا تعامل الخلوة كنوع من الإجازة أو العطلة من حياتك. إنها حقاً وقت للتحقيق في حياتك ولتكون صريحاً وواضحاً بشأن ما تفعله ومع من أنت.
لا تستخدم الخلوة لقراءة الكثير من الأفكار الروحية من تقاليد مختلفة، لأنك تحتاج إلى تصفية عقلك الآن، وليس ملؤه بأشياء جديدة.
لا تستخدم الخلوة للتفاعل بنشاط مع أشخاص آخرين، مثلا ما قد تجده في مراكز الخلوات، لأنك تنعزل من الناس، لبناء اتصال أعمق داخل نفسك.
لا تستخدم الخلوة للبحث عن حقائق أسمى، ولكن بدلاً من ذلك ابحث عن تجربة أعمق للمعرفة الروحية داخل نفسك. هذا ليس سعيا فكرياً. هذا ليس بحث أكاديمي. هذا ليس لبناء أيديولوجية عالية وسامية أو تقوية فلسفتك. كل هذه الأشياء يجب أن تكون موضع تساؤل أيضاً في تقييمك العميق. إذا كنت تستجيب لحاجاتك الحقيقية، فسوف تفهم هذه الكلمات التي أقولها.
إذا كنت تجرب المعاناة في حياتك وتسعى إلى الحل وتسعى أيضاً إلى منع تكرارها في حياتك، فيجب عليك اتباع كلماتي والاستماع إليهم. إذا كنت تعلم أنك لا تعيش الحياة التي من المفترض أن تعيشها، فيجب عليك الإنسحاب لمعرفة السبب وما يجب عليك فعله بمرور الوقت لحل هذا الأمر. أنت تفعل هذا أيضاً لبناء القوة والثقة لإتخاذ إجراءات حاسمة في حياتك، لا سيما أنها قد تتعارض أو تعارض رغبات وإرادة الآخرين.
فليكون هذا هو الوقت المناسب لبناء علاقتك بالمعرفة الروحية، التي هي أولى أولوياتك في الحياة، لأن المعرفة الروحية هي التي تمثل حضور الرب في حياتك. هذه هي الحكمة التي أعطاك إياها الرب لإرشادك وحمايتك وقيادتك إلى إنجازات أعظم هنا في العالم.
لماذا تبحث عن أي شيء آخر؟ لكن يجب أن تتذكر أن المعرفة الروحية موجودة خارج مملكة ومدى العقل. إنها تمثل حقيقة أعظم من حقيقة أفكارك ونظرياتك ومعتقداتك وفلسفتك وما إلى ذلك.
هناك نداء لك في العالم. لكن عليك أولا أن تستعد. يجب أن تعد حياتك وبمساعدة المعرفة الروحية، يجب عليك تمهيد الطريق. يجب أن تقدم الحل إلى ما يتطلب الحل. يجب أن تسعى إلى فصل نفسك عما يتطلب منك ذلك. يجب أن تحترم ما يجب عليك المضي قدما فيه وأن تتعلم الفرق بين ما هو جيد وما يبدو جيداً فقط، وما هو حقيقي مما تريد، وما هو مفيد مما يعد فقط بالفائدة.
فقط في عالم التجربة الأعمق يمكنك أن تقوم بهذه الفروق، أن يكون لديك هذا التمييز، وتجلب هذا التمييز إلى حياتك كل يوم. هذا هو الذي سوف يوفر حياتك ووقتك وطاقتك. هذا سوف يفتحك لعلاقة أعظم مع الآخرين ويجهزك للهدف الأعظم الذي أوصلك إلى العالم — هدف أعظم ينتظر أن يتم اكتشافة.




