هناك ثلاث مراحل في التطور بشكل العام . هناك الإعتماد على الغير . هناك الإعتماد على النفس. وهناك الإعتماد المتبادل. بأبسط طريقة، يتجلى ذلك في حياة الشخص من خلال حقيقة أنه يعتمد بشكل كبير عندما يكون رضيع وطفل صغير، ينموا ببطء إلى الإعتماد على النفس كمراهق أو شاب، عندما يبدأون بالاختلاف عن آبائهم وأسرهم. ثم هناك الإعتماد المتبادل، عندما يتزوجون ويكون لديهم أسر، أو يتحدون مع أشخاص آخرين في مجتمع روحي وما إلى ذلك. هذا التعريف لا يستوعب المعنى الحقيقي لهذه المراحل الثلاث من التطور. يمكن للشخص أن يبقى معتمداً على الغير طوال حياته — معتمداً نفسياً وعاطفياً — حتى لو كان قادراً جسدياً. قد يمرون بمرحلة المراهقة والشباب في هذه الحالة. حتى أنهم قد يتزوجون ويكون لديهم أسرة ولا يزالون في حالة أعتماد على الغير بشكل أساسي. لم يتعلموا التفكير بأنفسهم بما فيه الكفاية، فهم يعلقون أنفسهم بأي شخص يشعرون أنه سوف يعطيهم الاستقرار والأمان. في الواقع، هذا أمر شائع للغاية.
في إطار الزواج نفسه، يمكن أن تتجلى هذه المراحل الثلاث. عندما يلتقي الناس لأول مرة، قد يعتمدون بشكل كبير على بعضهم البعض عاطفياً. إنهم لا يريدون قضاء يوم منفصلين عن بعضهم. عندما يكون لديهم أطفال، فإنهم يعتمدون على بعضهم البعض أيضاً، لكنهم يصبحون أكثر اعتماد على النفس مع نمو أطفالهم. وخلف ذلك، قد يصبحون أكثر أعتماد على النفس في مستوى أعلى، على مستوى أكثر روحانية. ولكن هذا لا يحدث في كثير من الأحيان.
يصل بعض الأشخاص إلى حالة من الإعتماد على النفس، لكنهم لا يتخرجون بعدها أبداً، غير قادرين على التوحد مع الآخرين، لمشاركة قواهم مع الآخرين، للخضوع بشكل كافٍ للآخر حتى يتمكنوا من العمل معاً كفريق. هناك الكثير من الناس الذين لا يستطيعون أبداً تجاوز هذه المرحلة المتوسطة من الإعتماد على النفس.
إن الوصول إلى حالة الإعتماد المتبادل يمثل مستوى أعظم من النضج داخل الفرد. بعد حصولهم على الإعتماد على النفس بشكل كافٍ حتى يتمكنوا من البدء في التفكير بأنفسهم وتجربة دافعاً أكثر عمقاً، دافعاً داخلياً أكثر خلف وصولية الأسرة والثقافة، سوف يجدون بمرور الوقت أنهم لا يستطيعون فعل الكثير بمفردهم، وأنهم بحاجة إلى التآلف مع الآخرين لتحقيق أي شيء ذو قيمة حقيقية.
بمعنى أكمل، تمثل هذه المرحلة من الإعتماد المتبادل اتحاداً حقيقياً للهدف. لا تحكمها ببساطة الاحتياجات النفسية الآن أو التفويضات الثقافية. يتم تحديدها من قبل شخصين، أو في حالة المجتمع، المزيد من الأشخاص الذين يتحدون لهدف أعظم — هدف أعظم هو هدفهم لتحقيقه. لقد وجدوا بعضهم البعض وأدركوا أنه يمكنهم معاً تحقيق هذا الهدف، في حين لو كانوا وحدهم، في حالة أعتماد على النفس أكثر، لن يمكنهم.
لأنك ولدت بهدف أعظم و مهمة في العالم. لكن هذه المهمة تتطلب الاعتراف والمشاركة مع بعض الأفراد الذين سوف يشاركون هذه المهمة معك. وقدرهم أن يفعلوا ذلك. وحدك ليس لديك سوى جزء من الصورة، ولا يمكنك تنفيذ هذه المهمة بمفردك. المعرفة الروحية، الذكاء الأعظم في داخلك، تعرف هذا، بالطبع، وسوف تقودك، إذا كنت حراً، إلى العثور على الأفراد الذين يمكنك مشاركتهم والتعبير عنهم وتحقيق هذا الهدف الأعظم.
هذا يمثل أعلى مستوى من العلاقة، على مستوى الهدف الأسمى. هنا اتحادكم مدفوع بقوة أعظم وحاجة أعمق، حاجة النفس. يمكن أن تكون هذه العلاقات شديدة للغاية بحيث يمكنها التغلب على الإعاقات النفسية داخل الفرد والاختلافات في شخصيته أو خلفياته الثقافية. هذه الاختلافات سوف تكون موجودة ويمكن أن تكون إشكالية، ولكن هذا الهدف الأعظم أقوى. يصل إلى لب قلب الفرد.
إذا تمت الرؤية من منظور أعظم، فإن حياتك بأكملها تحركك نحو هذه الحالة من الاكتشاف بأن لديك هدفاً أعظم، وإدراك أنه لا يمكنك تحقيق ذلك بمفردك، وإستيعاب أنه لا يمكنك ملؤه بأناس يتمتعون ببساطة بالمرح أو الجاذبية. إنه ينادي أفراد معينين لديهم دافع أعمق في الحياة ومجموعة فريدة من الخصائص.
يمكن أن تكون قوة المعرفة الروحية في داخلك والأفراد الآخرين المقدر لك مواجهتهم شديدة جداً بحيث يمكن أن تقودكم إلى إيجاد بعضكم البعض حتى إذا كنتم في جهتين مختلفين من العالم. هذا هو التعبير الأسمى والأكثر اكتمالاً للعلاقة، لأنه يكرم مصدرك ومصيرك.
هناك أناس يدركون هذا على أنه إمكانية، لكنهم لم ينموا قدراتهم بما فيه الكفاية، ولم يحصلوا على مستوى كافٍ من الإعتماد على النفس — المرحلة المتوسطة — ليكونوا قادرين على الشروع في هذه الرحلة العظمى في الحياة. إنهم يتحركون في الاتجاه الصحيح، لكنهم ليسوا مستعدين لما يتوجب عليهم أن يستوعبوه في نهايه المطاف.
بالنسبة لأفراد معينين، هناك إدراك حتى في مرحلة الطفولة أنهم موجودون هنا للقيام بشيء مهم، لكن ما هو هذا الشئ يبقى غموضاً. هناك أناس من الشباب الصغار، أو حتى في منتصف العمر، يدركون أنهم هنا للقيام بشيء مهم في الحياة، لكنه ماهو هذا الشئ يبقى غموضاً .
هذا لأنهم لم يبنوا أساساً يمكن أن يحدث فيه هذا الإستيعاب حقاً، وأنهم ليسوا في وضع يسمح لهم بهذا التعرف والاستجابة لهذا النداء الأعظم. في حالات معينة، يكون الآخرون الذين يجب أن يلتقوا بهم غير متاحين، وبالتالي يتم تأخيرهم في الخلف.
ربما ليسوا في المكان الصحيح جغرافياً. ربما هم منخرطون في علاقات أخرى لا تمثل هذا الهدف الأسمى. ربما لديهم مشاكل من الماضي قوية بما يكفي لعرقلتهم.
في المضمون، ليسوا في المكان الذي يحتاجون إليه. لم يصلوا إلى مكان يبدأون فيه تحولا داخلياً عظيماً من أن تحكمهم الحاجات السيكولوجية إلى أن يتحركوا بحاجة أعمق للنفس.
لهذا السبب إن تَعلُم طريقة المعرفة الروحية أمر أساسي للغاية لإعدادك لأن المعرفة الروحية، الذكاء الأعمق الذي يوجد في داخلك، تحمل هدفك الأعظم لك. فقط هي تعرف من يجب أن تتعرف عليه وتتحد معه لتحقيق هذا الهدف الأعظم، وهو هدف يتجاوز الاحتياجات النفسية والتوقعات الثقافية وما إلى ذلك.
إنه ليس من غير المألوف عندما يبدأ الناس في الحصول على هذا الإستيعاب الأعمق داخل أنفسهم ليجدوا أنهم محاصرون بالعلاقات والالتزامات والارتباطات التي تم أنشأوها مسبقاً. ربما كانوا متزوجين ولديهم أسرة، والآن يجدون أنفسهم يستجيبون لنداء غامض، لكنه قوي داخل أنفسهم. مع ذلك، فإن الأشخاص من حولهم، والأشخاص الذين هم مرتبطين بهم، ليس لديهم مثل هذه التجربة ولا يستجيبون لمثل هذا النداء.
هذا يخلق أزمة حقيقية و معضلة لا يمكن أن تحلها إلا المعرفة الروحية نفسها. هذا هو السبب في أنه من الضروري والموصي به بشدة أن تبدأ في اتخاذ الخطوات إلى المعرفة الروحية عندما تكون صغيراً. خلاف ذلك، سوف تخلق حياة كاملة والتي سوف يتم تحديها بعد ذلك عندما تبدأ المعرفة الروحية في الظهور داخل تجربتك.
بالنسبة [للمعرفة الروحية]، سوف تطلب منك إعادة تقييم جميع علاقاتك — العلاقات مع الأشخاص والأماكن والممتلكات والأهداف وجميع أنشطتك. بالنسبة لكثير من الناس، إذا كانوا قد خَلقوا بالفعل حياة كاملة، فإن هذا يمثل تحدياً عظيماً للغاية بالنسبة لهم بحيث لا يستطيعون تجاوزة، على الرغم من أنه طبيعي وضروري بالنسبة لهم الاستجابة لهذا التحدي.
يمكن فهم الإعتماد المتبادل بعدة طرق، إنه ليس فقط أعتماد متبادل مع الآخرين، من مكان القوة والمسؤولية. إنه أعتماد متبادل مع الرب ومع تلك القوى اللامرئيية في الحياة الذين يعملون نيابة عن الخالق من كل هذه الحياة. إنهم يعتمدون عليك. أنت تعتمد عليهم. إنهم يتواصلون معك ومن خلالك، ويريدون منك أن تصبح ممثلاً لقوة وحضور أعظم في الحياة. أنت بحاجة إليهم لأنهم يحققون مصيرك. إنهم يمنحونك القوة والحكمة التي لا يمكنك أن توفرها لنفسك.
أنت تمنح نفسك لهذا الاتحاد الأعظم كعمل عازم ذاتياً وواعي. عليك أن تعمل كفرد قوي هنا. لا يمكنك أن تعمل من حالة من الإعتماد على الغير، غير قادر على التفكير بنفسك، غير قادر على اتخاذ القرارات، مثل الطفل العاجز.
سوف يكون عليك أن تعمل كعميل قوي للمعرفة الروحية — ممثل إلهي. سوف يكون عليك اتخاذ قرارات قوية. سوف يكون عليك تمييز بيئتك وعلاقاتك. يجب أن تكون واعياً وقوياً في اتصالاتك.
تتطلب العلاقة على هذا المستوى مشاركين أقوياء. يجب أن تكون مستعداً للعمل على مستوى الإعتماد المتبادل، أو ببساطة لا يمكنكم القيام بذلك. ولن يتم تقديم الفرصة لك إذا لم تكن مستعداً.
هنا يوجد تطور طبيعي من حالة الإعتماد حيث تعتمد على أشخاص آخرين، ليس فقط لرعايتك جسدياً، ولكن لاتخاذ قرارات بالنيابة عنك، لتحديد ماهو الواقع لك، لإرشادك، للإشراف على حياتك وهكذا. كثير من الناس لا يتخرجون من هذه الحالة.
ثم هناك الإعتماد على النفس حيث تبدأ في الاستجابة لأفكارك الخاصة، أو على الأقل تفسير التشكيل الثقافي كفرد. تتذوق متع الحرية وحدودها. عليك اتخاذ قرارات مهمة، وتحمل نطاقات أعظم من المسؤولية، وتجد أن الحرية في الواقع صعبة للغاية، وهذا هو السبب في بقاء العديد من الناس في حالة الإعتماد على الآخرين.
لكي تكون معتمد على نفسك، يجب أن تكون مسؤولاً جداً. يجب أن تتحمل درجة معينة من السلطة في حياتك. يجب عليك إدارة شؤونك. يجب عليك إدارة تفكيرك وسلوكك. يجب أن تواجه قرارات صعبة في كثير من الأحيان. أنت تجعل نفسك عرضة لأخطاء جسيمة في الحكم. إنها ليست مرحلة سهلة إذا كنت تريد دخولها بالكامل. ولكن هي شرط أساسي لدخول مرحلة أعظم من الإعتماد المتبادل. الإعتماد المتبادل الحقيقي ليس فقط الإعتماد المتبادل بين شخصين أو الإعتماد المتبادل مع المجتمع الروحي. الإعتماد المتبادل الحقيقي هو أن تكون مسترشداً بالمعرفة الروحية وتتحد مع الآخرين على مستوى المعرفة الروحية.
هذا التعرف القوي يتجاوز الحركات السيكولوجية للعلاقات الشخصية لدرجة أنه نوع جديد من التجربة تماماً. هذا هو المكان الذي من المفترض أن تذهب إليه حياتك. هذا هو المكان الذي مقصود أن يذهب فيه كل زواج. لكن قلة من الناس لديهم الوعي أو الفهم أو التحضير اللازم لإشراكهم في قوة وحضور المعرفة الروحية بطريقة مباشرة للغاية وإعدادهم للعيش والعمل في هذا المستوى الأسمى من الحياة.
الجميع يتحركون في هذا الاتجاه لأن هذا يمثل حاجة النفس. لدى الناس احتياجات عملية. لديهم احتياجات سيكولوجية. لديهم حتى احتياجات عاطفية. لكن حاجة النفس هي أكثر أساسية وأعمق حاجة. لن تلبي الحياة جميع احتياجاتك العملية. لن يتم تلبية جميع احتياجاتك السيكولوجية أو احتياجاتك العاطفية. ولكن من المهم جداً أن تفي الحياة بالحاجة العميقة للنفس في داخلك.
هذه الحاجة هي اكتشاف هدفك وتحقيقه بالتنسيق مع الآخرين. هذا ينهي الإنفصال بين عقلك المفكر وعقل المعرف الروحية الأعمق في داخلك . هذا ينهي انفصالك بينك وبين الآخرين، لأنك قادر على الاتحاد مع أفراد معينين على مستوى كامل للغاية. هذا ينهي انفصالك عن الرب لأنك الآن تستجيب لقوة الرب وحضوره في حياتك، وهي قوة المعرفة الروحية وحضورها في حياتك.
لا تعني هذه الحاجة الأعمق أنه ليس لديك احتياجات أخرى، لأنك سوف تظل لديك بعض الاحتياجات العملية والاحتياجات السيكولوجية والاحتياجات العاطفية. لكن لتلبية هذه الحاجة العميقة للنفس يعني أنك قد مُنِحت الرضا والوفاء لطبيعتك الأساسية هنا.
يمكنك الحصول على الثروة. يمكنك أن تُخِلص للجمال. يمكنك المشاركة سياسياً. يمكنك الحصول على حياة اجتماعية جذابة للغاية. يمكنك الحصول على جميع مظاهر النجاح في العالم. ولكن إذا ظلت الحاجة الأعمق لنفسك غير مكتشفة وغير محققة، فسوف تظل فقيراً، وسوف تلاحقك مشاعر الفراغ، مما يدفعك هذا الشعور إلى المزيد في ملاحقاتك الخارجية حيث تحاول تخفيف أو تلبية هذه الحاجة الأعمق داخل نفسك.
لكن لا يمكنك القيام بذلك لأن هذا الشئ لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الاستجابة لقوة المعرفة الروحية وحضورها وجعلها ترشدك إلى اكتشاف والتجربة والتعبير عن هدفك الأعظم.
لهذا، سوف تحتاج إلى علاقات ذات هدف أسمى، علاقات المصير، لأنك لن تكون قادراً على تحقيق مثل هذه الأشياء بنفسك. وبمجرد أن تبدأ في الاستجابة لقوة المعرفة الروحية وحضورها في نفسك، بمجرد أن يكون لديك الشدة والثقة بالنفس للقيام بذلك، بمجرد أن تكون متحرراً بما فيه الكفاية من الارتباطات والالتزامات الخارجية للاستجابة لهذه القوة العميقة داخل نفسك، سوف تبدأ في جذب الآخرين إليك، وسوف يكون بعض هؤلاء الأشخاص جزءاً من مصيرك.
إذا لم يكونوا مستعدين للإستجابة، فسوف تكون هناك صعوبة، وقد لا يصلون إلى حياتك. لكن القوة والجاذبية أصبحت الآن أقوى. إنها تمثل قوة أعظم في الحياة، وهي قوة بالكاد يعرفها أغلب الناس. لكن القوة هي التي تحكم المستقبل والنهوض بالإنسانية، وفي النهاية التحقيق لكل شخص آتى لهذا العالم.
هذا أبعد من فهمك الفكري. ولكن المهم بالنسبة لك الآن هو البدء في اتخاذ الخطوات إلى المعرفة الروحية حتى يمكنك الشعور بهذه القوة والهدف ينشئون في نفسك، بحيث يمكنك تعديل حياتك بشكل متزايد مع تقدمك للسماح بظهور هذه القوة في تجربتك، لإعطائك الاتجاه وإعطائك القرار. هذا طبيعي تماماً. هذا يسمح لظهور طبيعتك الحقيقية والتعبير عن نفسها في وعيك وحياتك.
يمثل هذا أيضاً الإعتماد المتبادل داخل نفسك، حيث يعمل جسدك وعقلك وروحك في وقت واحد مع بعضهم البعض، بينما كان عقلك قبل ذلك بشكل عبودي يحاول لتلبية احتياجات الجسد، وكان الجسد يحاول بشكل عبودي لتلبية احتياجات العقل، وكنت مشغولاً باحتياجاتك السيكولوجية والعاطفية والعملية.
بطريقة ما، فإن روحك، إذا كنت على علم بها على الإطلاق، تم ندائها لخدمة العقل. ولكن الآن يبدأ التعرف على الارتباط الحقيقي بين عقلك وجسدك وروحك، وتبدأ في معرفة أن الجسد هنا لخدمة العقل، والعقل هنا لخدمة الروح أو المعرفة الروحية. سواء كنت تؤمن بالرب أم لا، سواء كنت شخصاً متديناً أم لا، سواء كنت جزءاً من دين أم لا، فأنت تبدأ في تجربة شيء مقدس في حياتك.
أي شخص يصبح قوياً مع المعرفة الروحية سوف يجذب الآخرين الأقوياء بالمعرفة الروحية ولن يتمكن حقاً من المشاركة بشكل وثيق أو قريب مع شخص ليس قوي في المعرفة الروحية. سوف يكون هناك غموض في حياتهم، لأن الفكر لا يستطيع أبداً فهم المعرفة الروحية بالكامل. يمكنه فقط أن يتبعها ويخدمها ويتلقى بركاتها وعظمتها.
لكن المعرفة الروحية تبقى غامضة على الدوام لأنها مدخل إلى الرب. إنها علاقتك بالرب. هكذا يتكلم الرب معك. إنها حيث تدخل النبضات الإلهية تجربتك ووعيك في الحياة.
على مستوى أخر، يمكن فهم الإعتماد على الغير والإعتماد على النفس والإعتماد المتبادل على مستوى الدول. بعض الدول تعتمد على دول أخرى حتى تحصل على استقلالها، إذا فعلت ذلك. سوف تصبح دول مستقلة، دول محكومة ذاتياً، دول تمارس حقها في تقرير المصير.
في نهاية المطاف، حتى الدول المستقلة ذاتياً تجد نفسها تصبح معتمدة بالتبادل مع الدول الأخرى — من خلال التجارة، من خلال تقاسم الموارد، من خلال تحالفات أعظم وما إلى ذلك. في نهاية المطاف، سوف يكون على دول العالم أن تحقق حالة عالية من الإعتماد المتبادل إذا أرادت النجاة من الموجات العظيمة من التغيير التي تأتي إلى العالم — التدهور البيئي؛ تناقص الموارد؛ فقدان إنتاج الغذاء؛ المناخ المتغير والطقس العنيف. خطر المرض الوبائي؛ وتهديدات الصراع المتزايد والمنافسة والحرب.
فقط الإعتماد المتبادل الأعظم يمكن أن يجعل الحرب غير ضرورية — الإعتماد المتبادل على أساس الحاجة المتبادلة الأساسية. الآن يجب الحفاظ على الأسرة البشرية بأكملها. الآن أصبح أمن العالم، حتى أكثر من أمن أي دولة، هو الأولوية لأنه مهدد من قبل الموجات العظيمة من التغيير.
ثم هناك منافسة من خارج العالم، من الكون، من مجتمع أعظم من الحياة الذكية — منافسة تسعى إلى الهيمنة والإقناع داخل هذا العالم. وهذا سوف يشكل أيضاً وحدة أعظم بين الدول هنا، الدول التي يجب أن تعتمد الآن على بعضها البعض من أجل أن تكون مستدامة، وأن تكون مستقرة وآمنة.
هذا مصير الدول داخل عالمك. إما أن يتراجعوا من خلال المنافسة والصراع والحرب، أو سوف يتعين عليهم أن يتحدوا وأن يتعلموا التعاون مع بعضهم البعض بدافع الضرورة في مواجهة الموجات العظيمة من التغيير وفي مواجهة المنافسة والتدخل من مجتمع أعظم من الحياة في الكون.
هذا هو اتجاه جميع الدول. تتم مقاومته بالطبع. تريد الدول أن تظل مستقلة، لكنها في الواقع أصبحت أكثر ترابطاً من أي وقت مضى. لا توجد دولة لديها ما يكفي من الموارد لرعاية نفسها بالكامل، لذا فإن فترة اعتمادها على نفسها قصيرة الأجل، قصيرة الأجل، في جوهر الأمر.
تشارك الدول في المقايضة. إنها تتطلب مشاركة الموارد. إنها تتطلب التجارة، وهذا يخفف من الصراع والحرب والعزلة. سوف تزداد الحاجة إلى الإعتماد المتبادل بين الدول بشكل أقوى وبشكل أكثر أساسية مع مرور الوقت في مواجهة الموجات العظيمة من التغيير وفي مواجهة المنافسة والتدخل من الكون من حولكم.
إذن، على مستوى الفرد، على مستوى العلاقة، على مستوى الدول، فإن هذه الحركة عبر هذه المراحل الثلاث — الإعتماد على الغير والإعتماد على النفس والإعتماد المتبادل — هي التطور الطبيعي وحركة الحياة. إذا كنت غير قادر على التحرك خلال هذه المراحل الثلاث، فسوف تتوقف حياتك. حتى إذا كنت قادراً على الحصول على درجة معينة من النجاح والأمان المادي، فأنت لم تحقق حياتك هنا حقاً. تم القبض على تطورك وتم إيقافه. أنت غير كامل. حياتك سوف تكون غير محققة وغير مجزية.
عندما ينتقل الشخص من مرحلة الإعتماد على الغير إلى الإعتماد على النفس، فإن الاستقلال هو كل شيء بالنسبة لهم. إنهم ليسوا قادرين بعد على إعطاء أنفسهم لأي شخص بما فيه الكفاية أو بالمعنى الحقيقي. وعندما ينتقل شخص ما من مرحلة الإعتماد على النفس إلى الإعتماد المتبادل، فهذا كل شيء بالنسبة له.
ما هو ضروري لفهمه هنا هو أن العلاقات تعمل على جميع هذه المستويات الثلاثة — الإعتماد على الغير والإعتماد على النفس والإعتماد المتبادل. يمكن أن يكون لدى الناس علاقة تبعية، حيث يعتمدون فقط على بعضهم البعض، ويتجمعون معاً، ويخافون أن يكونوا في الحياة، ويخافون من تولي السلطات والمسؤوليات. إنهم يتجمعون معاً، محاولين الهروب من خلال الرومانسية، محاولين الهروب من خلال الهواجس المشتركة، محاولين الهروب من الحياة.
ثم هناك علاقة على مستوى الإعتماد على النفس، حيث يكون الناس معاً، لكنهم يحاولون تأكيد أنفسهم كأفراد. لذا هناك تنافس على السلطة. هناك مشاكل في التعامل مع السلطة. هناك مشاكل تتعلق بكمية المشاركة وكم هي [دائرة إهتمام] الفرد.
كثير من الناس في هذه المرحلة، بالطبع . إنهم يريدون أن يكونوا معاً، ولكن إلى درجة معينة فقط. إنهم غير راغبين في الاتحاد مع بعضهم البعض . إنه أقرب إلى التعاون.
لا تزال الدول في هذه المرحلة من محاولاتها أن تكون مستقلة، ولكن للاستفادة من العلاقة مع بعضها البعض. لذا هناك توتر وصراع مستمران على القوة والهيمنة والسلطة.
الأشخاص الذين هم على علاقة في مستوى الإعتماد على النفس يهتمون دائماً بالقوة والسلطة ووضع الحدود. إنهم يريدون أن يكونوا معاً، لكنهم يريدون أن يقرروا ذاتياً، ولذا فهم دائماً في صراع أو توتر بشأن هذه الأمور.
يمكنك أن ترى هذا من حولك. الناس معاً، لكنهم ليس معاً حقاً. إنهم يحاولون تلبية احتياجاتهم السيكولوجية والعاطفية معاً. ربما يحاولون تلبية الاحتياجات العملية معاً، لبناء الأمن المالي معاً. لكن على مستوى النفس، ليسوا معاً. ليس من المفترض أن يكونوا معاً حتى. ليس لديهم مصير أعظم معاً. إنهم ببساطة يستخدمون بعضهم البعض لمحاولة تلبية احتياجاتهم السيكولوجية أو العاطفية أو العملية. وبالتالي فإن علاقاتهم مرهقة ونادراً ما تستمر لفترة طويلة. إذا استمروا، فذلك لأن لديهم ممتلكات معاً، أو أنهم أنشأوا الثروة معاً أو أنهم ملزمون بأطفالهم معاً، لكنهم ليسوا معاً في الواقع.
المعرفة الروحية سوف تحررهم، إذا كانت لديهم الشجاعة لمواجهة هذا الأمر وإذا بدأوا في تجربة الحركة الأعمق لحياتهم.
العلاقة على مستوى الإعتماد المتبادل نادرة وخاصة. يمكن أن تأخذ شكل الزواج. يمكن أن تأخذ شكل العمل معاً في مجتمع روحي. يمكن أن تأخذ شكل تحالف عظيم في عمل المرء. لكن لها هذا البعد الأعظم، هذه القوة الأعظم وهذا الاستقرار الأعظم. لا يزال الأفراد أفراداً. لا يزال لديهم احتياجاتهم السيكولوجية والعاطفية والعملية، وسوف يتم تلبية العديد من هذه الاحتياجات من خلال ارتباطهم العظيم. ولكن قوة المعرفة الروحية وحضورها هي التي تقودهم الآن.
لقد وجدوا مهرباً من المفاوضات التي لا نهاية لها التي ينخرط فيها الناس على مستوى الإعتماد على النفس، محاولين أن يكونوا في علاقة على مستوى الإعتماد على النفس. لقد وجدوا الإقرار في هذه المرحلة الأعظم. يتم تحريكهم بمهمة ونداء في الحياة. هم في خدمة للآخرين. دخلت علاقتهما الآن في ساحة جديدة، بانوراما أعظم. لا يزال لديهم مشاكل معاً. لا يزال لديهم صعوبات في التواصل بشأن قضايا معينة. لا يزال لديهم أعجاب وعدم أعجاب. ولكن هناك قوة أعظم داخلهم تحركهم. إنها تأتي من داخلهم. إنها لا تأتي من أي قوة خارجية. لا يتم التلاعب بهم.
فقط الأشخاص الذين بدأوا بشعور تأثير المعرفة الروحية داخل أنفسهم يمكن أن يقدروا ويمتنوا للعلاقات على هذا المستوى. ولهؤلاء الذين هم في المراحل البدائية نادر ما تتم فهم العملية. يعتقد الناس على مستوى الإعتماد أن الإعتماد المتبادل هو مجرد اعتماد أكثر. يخشى الأشخاص الذين هم في مرحلة الإعتماد على النفس من الإعتماد المتبادل لأنهم يعتقدون أنه يمثل فقداناً لقوتهم الشخصية. إنهم ليسوا مستعدين لذلك. إنهم لا يرون حتى كم هو ضروري حقاً.
لهذا السبب عندما تبدأ المعرفة الروحية بالحركة في حياتك، وتبدأ في الشعور بأن لديك مصيراً أعظم هنا، وأن هذا أمر أساسي ومركزي في حياتك وأهمية علاقاتك وأنشطتك، سوف تبدأ في عمل هذا الانتقال من الإعتماد على النفس إلى الإعتماد المتبادل.
سوف تسعى إلى صدق أعظم من الناس، ومسؤولية أعظم في الناس وصدى أعظم لدى الناس. لم تعد مدفوعاً باحتياجاتك السيكولوجية والعاطفية والعملية. هناك حاجة أعظم الآن، وتتطلب مستوى أعمق وأكثر اكتمالا من التواصل والعلاقة مع الآخرين.
إذا كنت سوف تتبع حياتك بوعي، فسوف ترى أن هناك مراحل، سوف تشعر عند نقطة معينة بأنك تحن إلى الإعتماد على نفسك، للاختلاف عن البنية الاجتماعية التي تم تنميتك فيها. وعلى الرغم من أن الكثير من الناس لا يستطيعون أبداً دخول هذه المرحلة الثانية من تطورهم، إلا أنه لا يزال دافعاً طبيعياً.
وأنها نزوة طبيعية أن تستوعب، إذا كنت تعيش بشكل معتمداً على نفسك، أن الحصول على هدف أعظم في الحياة يعني أنه يجب أن يكون لديك درجة أعظم من العلاقة مع الآخرين. أنتم بحاجة إلى التزام أعظم في التواجد معاً وصدى أعظم مع بعضكما البعض. يبدو الأمر كما لو كنتم قد وصلتم إلى نقطة في رحلتكم، والآن يتم تشغيل شيء آخر، كما لو تم تبديل المفتاح، أو تجاوزتم خطاً أشعل حركة أعمق في حياتكم.
تمثل الحركة بعيداً عن الإعتماد على الآخرين وبعد ذلك الحركة بعيداً عن الإعتماد على النفس تحولات طبيعية، تحفزها المعرفة الروحية في داخلك. كما يتم تمثيلها من خلال تلبية مجموعات أعمق من الاحتياجات، كما لو كان هناك تسلسل هرمي للاحتياجات.
في البداية، تحتاج إلى أشخاص للبقاء على قيد الحياة وأن تكون آمن كل ما تنموا في العمر. ثم تحتاج إلى التعبير عن نفسك كفرد وتحديد احتياجاتك السيكولوجية والعاطفية والعملية كفرد. وبعد ذلك تبدأ في الشعور بأن هناك حاجة أعظم في داخلك — حاجة النفس، والحاجة إلى تمييز الهدف من حياتك، والتعبير عن هذا الهدف العظيم، والعثور على هؤلاء الأفراد الذين من المقدر لهم أن يكونوا جزءاً منه.
هذه كلها انتقالات طبيعية. لكن هذا لا يعني أن الناس يختارون المضي قدماً. الكثير مما يفعله الناس غير طبيعي. يفتقد الناس الإشارات وعلامات حياتهم، وهذا يحدث باستمرار . يتطلب الأمر إرادة قوية وتصميماً للانتقال من الإعتماد على الآخرين إلى الاستقلال، ويجب عليك إنشاء هذا الإعتماد على النفس قبل أن تكون مستعداً حقاً لدخول مرحلة أعظم من الإعتماد المتبادل.
كل مرحلة ضرورية. لا يمكنك القفز من الإعتماد على الغير إلى الإعتماد المتبادل، لأن لن يكون لديك الشدة أو السلطة داخل نفسك للدخول في هذه المرحلة الثالثة من تطورك. والانتقال من مرحلة الإعتماد على الغير إلى [الإعتماد على النفس] يعني أنك سوف تغير علاقاتك مع الناس وأسرتك وأصدقائك. سوف يجلب الأمر علاقات جديدة في حياتك. وبينما تنتقل من مرحلة الإعتماد على النفس إلى الإعتماد المتبادل، سوف تتغير علاقتك مع كل شخص تعرفه وتجلب علاقات جديدة في حياتك.
يمكنك التفكير في الأمر على أنه مستوى تصاعدي من الحاجة. ولكنه في الحقيقة انتقال طبيعي لأنك مرسل إلى العالم لهدف معين. إن فكرك لا يعرف ما هو الأمر ولا يستطيع معرفة ذلك. إنه خارج نطاق العقل. إنه في ساحة المعرفة الروحية، أو الروح.
يمكن للعقل أن يفهم ويتعرف على الخطوات التي يجب اتخاذها في حياة الإنسان، والقرارات التي يجب اتخاذها، والقيود التي تجب ممارستها، والحدود التي يجب تحديدها وما إلى ذلك. لكن القوة والحركة الأعظم في حياتك غامضة. إنها أعمق. إنها بعيده عن متناول العقل. يمكنك إنشاء فهم متقن لها، ولكن في الواقع لا يمكن أن تحتوي على الواقع.
هذه هي حركة حياتك. إذا كنت تنتقل من الإعتماد على الآخرين إلى الإعتماد على النفس، فيجب عليك إجراء هذا الانتقال حتى تتقدم حياتك ولتجد رضا أعظم وشدة أعظم. إذا وجدت نفسك تنتقل من حالة الإعتماد على النفس إلى الإعتماد المتبادل، فيجب عليك إجراء هذا الانتقال للعثور على علاقات أعظم وشدة أعظم وتحقيقاً ومعنى أعمق في حياتك.
سوف تأخذك المعرفة الروحية إلى هناك، لأن هذا هو المكان الذي تسير فيه المعرفة الروحية. إذا لم تتمكن من الانتقال مع المعرفة الروحية، فستبقى المعرفة الروحية معك، ولكنها صامتة، بانتظار استعدادك.
لديك رحلة لتأخذها ومصير للوفاء به هنا. هذا، في جوهر الأمر، هو المعنى الحقيقي لحياتك. هذا ما سوف تفكر فيه بمجرد مغادرة هذا العالم. هذا هو الخيط الأعمق للحقيقة والمعنى.
الرحلة أمامك. يجب أن تأخذها. لا تبتعد عنها لأي سبب — ليس للحب، وليس للمال، وليس للفخر الفكري، وليس للأمن الشخصي. هذه رحلتك. يجب عليك أن تأخذها.




