الفقر — فقر النفس، وفقر الجسد، وفقر العزلة، وفقر الإنفصال عن الآخرين. يتخذ الفقر أشكالاً عديدة — بعضها مرئي، وبعضها غير مرئي، وبعضها ظاهر، وبعضها غير ظاهر.
إنه شرط العيش في الإنفصال. فالفقر ليس مجرد حالة لمن لا يملكون سوى القليل لإعالة أنفسهم. إنه حالة العيش في الإنفصال.
حتى تجد الصوت الأعظم الذي وضعه الرب بداخلك لتتبعه، سوف تختبر الفقر. حتى لو كان لديك كل الأشياء التي تحتاجها مادياً، فسوف تظل فقيراً. حتى لو كنت تعيش في فخامة، سوف تكون حياتك فارغة، بدون معنى وتوجيه حقيقيين.
هذا الفقر منتشر، ويؤثر على الناس على جميع مستويات الرفاهية المادية. لسوء الحظ، بالنسبة للأثرياء، أصبح فقرهم الآن مخفياً بشكل جيد، ومغطى بكل طموحاتهم ومكتسباتهم، وانغماسهم، وأوهامهم، مما يعطي مظهر الثروة والراحة والفخامة بينما، في الواقع، كل هذا غطاء للفقر . إنهم يعتقدون أن الرب باركهم — أولئك الذين وهبوا أنفسهم على حساب الآخرين، وأولئك الذين لا يعطون العالم ما يكفي.
لكن الرب يشفق على الأغنياء الذين لا يجدون الهدية التي سوف توفرها حريتهم النسبية. يمكن أن يكونوا أكثر مأساوية من الفقراء، الذين تتجلى احتياجاتهم ويمكن تلبيتها بسهولة أكبر.
إنها رحلة إلى الحرية، على طول الطريق، على كل مستوى من مستويات المجتمع، وعلى كل مستوى من الرفاهية الشخصية، وعلى كل مستوى من الثراء. لأن الكثيرين ممن نجوا من الفقر المدقع سوف يدخلون بعد ذلك إلى عالم من الإستكشاف الشخصي والإنغماس، والهروب الشخصي من قسوة الحياة. سوف يعيشون في عالم من المكتسبات، عالم يبحث عن الرومانسية، عالم من الخيال والانغماس في الذات.
ما الذي حصلوا عليه من ثرواتهم، وما الذي منحهم إياه ثرائهم المكتشف حديثاً، إلا أن زاد من معضلتهم الآن، أصبح فقرهم الآن مخفياً، على الرغم من أنه لا يزال يطاردهم. الآن هم أقل قدرة على أن يكونوا مع أنفسهم ومع الآخرين بعقل متفتح وقلب منفتح، لأن فقرهم لا يزال قائماً، وقد وجدوا الآن طرقاً جديدة للبحث عن الهروب، ويحاولون دائماً الهروب من تجربتهم الأساسية. هذا هو الفقر.
إن شعوب العالم التي لا تجد المأوى والغذاء والأمن والصرف الصحي، كلها بحاجة إلى المساعدة. إنه نداء للأثرياء لتوفير المعونة من أجل الفقر على هذا المستوى.
لا تحتاج إلى منزل ثانٍ أو سيارة خامسة أو مجوهرات باهظة الثمن أو ساعات أو ملابس عندما يكون من هم الآن في رعايتك يتضورون جوعاً ويكافحون من أجل البقاء. ثروتك الآن هي مورد يجب إعادته إلى العالم في المقام الأول.
امنح نفسك بعض وسائل الراحة في حياة متواضعة. امنح نفسك الحرية في استكشاف المعنى الحقيقي لحياتك الآن بحيث لا يتعين عليك الكفاح يومياً من أجل البقاء.
اغتنم هذه الفرصة لتتلقى وحي الرب الجديد للعالم، والذي سوف يضخم كل وُحِيّ الرب السابقين، والتي جميعها — بشكل فردي أو جماعي — تعيدك إلى مسؤوليتك الأعمق وهدفك لوجودك في العالم.
يجب أن يعتني الأغنياء بالفقراء، ويجب على الفقراء أن يساعدوا بعضهم البعض بقدر ما يستطيعون للقيام بذلك.
لا تعتقد أنك سوف تنال معروف من الجنة إذا تجنبت هذه المسؤولية. هذه مسؤولية عظيمة للأثرياء على وجه الخصوص.
سوف تكون قادراً على فعل الكثير من الخير في العالم بما لديك، وسوف يعيد لك الأمر استقامتك واحترامك لذاتك. سوف يعطيك إحساساً بالقيمة والمعنى ويمنحك التجربة التي تم إرسالها بالفعل من الجنة لتقديم هذه الأشياء لإنسانية تكافح.
الجميع في العالم على نفس السفينة العظيمة التي تسمى الأرض. إذا أصبح جزء من السفينة في حالة سيئة، إذا لم يتم إطعام جزء من الطاقم واستدامته، حسناً، فإن السفينة بأكملها مهددة.
لا يمكنك ببساطة التفكير كشخص إقليمي أو أن يكون لديك هوية محلية، لأنك تعتمد الآن على أشياء من جميع أنحاء العالم. وسوف تحدد حالة الدول البعيدة عنك كيف سوف تكون حياتك الآن وفي الأزمنة القادمة، بكل تأكيد.
رحلة الحرية هي رحلة الخروج من الفقر. في بدايتها، هي الحرية في الحصول على الطعام والماء والمأوى والأمن والصرف الصحي، وفرصة أن تصبح متعلماً بشكل أساسي — وهو هدف عظيم لمثل هذه النسبة العظيمة من الأسرة البشرية. وسوف تكون نسبة مئوية أعظم من الأسرة البشرية في المستقبل مع ظهور موجات التغيير العظيمة على العالم، التغيير العظيم الذي يفهمه القليل من الناس أو يمكنهم التعرف عليه حتى اليوم.
بمجرد استيفاء هذه المتطلبات بشكل كافٍ، يمكنك أن ترى كيف يمكن أن يخدمك تعليمك في أن تكون مساهماً حقيقياً في العالم وأن تستخدم جزءاً من ثروتك المتزايدة لمساعدة الآخرين ومنحهم الفرصة لتحقيق المتطلبات الأساسية للحياة.
لأنك يجب أن تفهم أن فقر البشرية هو في جزء كبير من ما يحافظ على الإنسانية بدائية وقابلة للإنقسام ويحرمها من تقدمها التطوري العظيم، الذي سوف تحتاجه في عالم متدهور — في عالم تتناقص فيه الموارد، والطقس العنيف والإضطراب الإقتصادي.
لا يمكن للأطباء العظماء، والمتعلمين العظماء، والسياسيين العظام، وخدم الإنسانية العظام أن ينهضوا من الفقر المدقع، لأنهم محاصرون هناك، كما ترى؟
إنها نفس المشكلة مع النساء في العالم، ومعظمهن محاصرات في ظروف منزلية لا يمكنهن الهروب منها. لن يتقدموا ويتطوروا، وسوف تعاني الأسرة البشرية كلها نتيجة لذلك. لن يتحقق التألق والشدة والإبداع والإخلاص في تحقيق أهداف أعلى وأهداف أعظم إذا لم يتمكن الناس من الهروب من هذه الظروف.
لا يمكن ترك مستقبل العالم لعدد قليل من الأفراد الأثرياء الملهمين. سوف يتم نداء عدداً أعظم لتحويل التيار من تفكك وفشل الحضارة الانسانية.
يجب أن ينمو العطاء، لكن يجب على من يستطيعون العطاء أن يستقبلوا أولاً. يجب أن يستقبلوا المتطلبات الأساسية للحياة. يجب أن يستقبلوا تعليماً أعظم فوق هذا. ويجب أن يدركوا أن العالم ليس هنا لمنحهم ببساطة كل ملذاتهم وانغماسهم، ولكن لمنحهم الفرصة لإحداث فرق حقيقي هنا، لأن ذلك فقط يرضي الحاجة الأعمق للنفس.
إذا لم تكن النفس راضية، فلن يرضيك شيء. يمكنك امتلاك أكبر قدر من الأشياء التي ممكن أن تتمسك بها. لن يرضيك الأمر. سوف ترغب دائماً في المزيد، وتريد المزيد بلا نهاية، لأن نفسك غير راضية.
إنه فراغ لا يمكنك ملؤه بالأشياء أو بالرومانسية أو بمغامرات مثيرة أو بتجارب لا تنتهي في العالم. لا يمكن تحقيق ذلك إلا من خلال الإعتراف بالذكاء الأعمق الذي منحك إياه الرب، والذي يمكن بمفرده أن يمنحك الشدة والهدف من الإرتقاء بحياتك ويؤدي إلى حياة أعظم من الخدمة والتحقيق في العالم.
إنه فقط من خلال أن تصبحون مساهمين حقيقيين بدلاً من مجرد جراد على الأرض، تلتهمون كل شيء في الأفق — تلتهمون الموارد، تلتهمون التجارب، تلتهمون المناظر الطبيعية، وتستهلكون كل شيء اليوم، حيث يكون هناك القليل جداً للغد.
لن تشعر بالفراغ فحسب، بل سوف تشعر بالذنب بشكل أساسي في داخلك إذا كان هذا هو سعيك، إذا كان هذا هو تركيزك في الحياة — الإستحواذ اللانهائي.
الذنب العميق موجود لأنك لا تعيش حقاً الحياة التي جئت إلى هنا لتعيشها. أنت لا تفعل حقاً ما تعلم أنه يجب عليك فعله. أنت لا تخدم أولئك الذين أرسلوك هنا.
لا تختبئ وراء الدين، معتقداً أن الإيمان بأحكام دينك سوف تعطيك مَعْروف في أعين الجنة، فهم يراقبون ليروا ما سوف تفعله فعلاً في العالم، وإذا كنت قد استوفيت متطلبات الحياة الأساسية كم سوف تخدم الآخرين وتكون قوة للخير هنا.
إنهم لا يهتمون بما تحصل عليه. إنهم لا يهتمون حتى بمعتقداتك الدينية إذا لم تستطع أن تقودك إلى خدمة أعظم وعطف للأخرين.
أنت ما زلت فقيراً، تتجول كشخص ثري برموزك الخاصة بالسلطة والثراء. وكل فساتين الجمال والسحر التي يمكنك اقتنائها وتزيين نفسك بها وكل هذا لن يخفي حقيقة أنك فقير وتفشل في مهمتك هنا.
الفقر فيك. في كل شيء من حولك. انظر إلى وجوه الأثرياء الذين يعيشون مع الكثير من الأمن والأمان في دولهم، مع إمكانية الوصول إلى ما لا نهاية من الغذاء والمياه والمساعدات الحكومية. انظر إلى وجوههم. هل هذه وجوه أشخاص ملهمين يعيشون بفرح وهدف ومعنى؟
انظر إلى الفقراء الذين يعيشون في ثياب بالية، والذين ليس لديهم أي شيء ولا وعد لهم بأي شيء. لا تدينهم. لا تظن أن وجودهم في مثل هذه الظروف هو مشيئة الرب. لا تعتقد أن هذه هي نتيجة لتجارب الحياة الماضية. لا تعتقد أنهم يستحقون في أن يكونوا فقراء، لأنك يجب أن تنظر بعطف وتتخيل كيف سوف يكون شكل حياتهم.
إذا قمت بذلك، فسوف تتوقف عن الشكوى من كل الأشياء التي تشتكي منها اليوم وتبدأ في حساب النعم التي تحصل عليها، والتي تعد أكثر مما يمكنك حسابه في هذه اللحظة.
الدين يتعلق بالخدمة. يتعلق الأمر برعاية الناس. إنه يدور حول شفاء الجروح. لا يتعلق الأمر بالحصول على السلطة أو شن الحرب أو إدانة الآخرين. إذا كان دينك لا يؤدي إلى زيادة عظيمة من الخدمة والعطف، فأنت تخذله من صميمه.
حتى لو كنت متديناً وتتبع كل تعاليم إيمانك وكل ممارسات إيمانك، إذا لم يعطيك دافعاً أعظم للخدمة والعطف والمغفرة، فأنت تفشل فيه.
الجنة لا تتأثر. وكلما كنت أكثر ثراءً، زاد الفشل. فا ثروتك الآن هي مورد لمساعدة الآخرين. هذه هي قيمتها الحقيقية، بالإضافة إلى منحك مزيداً من الراحة والمزيد من الحرية الشخصية، هذا هو الهدف من الثروة.
يجب أن يكون الأثرياء هم المستفيدون الأعظم من الحياة، كلهم ، دون استثناء — إطعام الناس، ورعاية الناس، والتأكد من أن الناس لديهم المتطلبات الأساسية، وفوق ذلك فرصة لمزيد من التعليم والخدمة.
استخدام الدين كذريعة للحرب أو قتل الآخرين أمر رجس. أنت تخدم قوى الظلام هنا. بغض النظر عما تعلن أنه إيمانك أو ولاءك لكتابك السماوي، فأنت تخدم قوى الظلام.
ما نتحدث عنه هنا اليوم هو ما تقدره الجنة. لكن ما تقدره الجنة ليس ما يقدره الناس أو يريدونه، بإستثناء القليل منهم.
بغض النظر عن مكان وجودك في الحياة أو ظروفك، عليك أن تقضي على الفقر في داخلك. بالإضافة إلى تلبية المتطلبات الأساسية للحياة، يجب أن تكون حياتك حول الخدمة والمساهمة.
أنت تفعل هذا من أجل الخلاص الخاص بك. أنت تفعل هذا من أجل رفاهية مجتمعك وأمتك. لكنك تفعل ذلك أيضاً لأن هذا هو المطلوب من المواطنين في كل مكان لمنح الإنسانية المرونة والإستقرار للملاحة في الأوقات الصعبة المقبلة، وللحفاظ على الحضارة البشرية من الانهيار مع انخفاض الموارد ومع بدء فشل المحاصيل.
أنت تفعل هذا للعالم كله على الرغم من أن خدمتك محلية وفورية ومحددة للغاية ولا تحمل أي مجد أو اعتراف بها.
هذا ما سوف يعيد لك قيمتك الذاتية، وإحساسك بالنزاهة، وإلهامك في الحياة، وفرحك، والإستمتاع بفوائد ما لديك والشعور بمعنى وجودك هنا على الأرض والذي لا يمكن العثور عليه إلا بإتباعك ما نقدمه لكم هنا اليوم.
إذا كنت تريد أن ترضي الرب، أطعم الناس، احميهم من موجات التغيير العظيمة، علمهم. إذا كنت تريد من الجنة أن تدعمك، أحصل على ما تحتاج إليه حقاً فقط وليس أكثر من ذلك بكثير وامنح الباقي حيث تشتد الحاجة إليه. قلبك ومعرفتك الروحية في داخلك، المعرفة الروحية التي وضعها الرب هناك، سوف توجهك إلى حيث يمكن إعطاء هذا بأعظم تأثير.
هذا سوف يعطيك الشدة. سوف يعطيك هذا الهدف. هذا سوف يجعل حياتك مرنة وفعالة. هذا سوف يخلصك من الاكتئاب وإدانة-الذات وإدانة الآخرين. لأنها مجرد مظاهر الفقر، الفقر المدقع الذي نتحدث عنه.
في قلبك، أنت تعلم أنك أتيت إلى هنا لهدف أعظم. في قلبك، أنت تعلم أنك لا تعيش حقاً الحياة التي من المفترض أن تعيشها. في قلبك، أنت تعلم أنه يجب أن تكون صادقاً مع ما هو دائم وحقيقي بداخلك.
هذا أمر يجب عليك مواجهته. يجب أن تواجه تلك الأشياء التي تعيقك، والتي تبقيك صغيراً وضعيفاً وتائهاً في العالم، وعبداً لإغراءات وإغوائات العالم، وعبداً لخوفك ودوافعك. يجب أن تواجه هذه الأشياء وإلا فلن تتمكن من التغلب عليها.
لقد منحتك الجنة قوة المعرفة الروحية التي يمكن أن تقودك للخروج من هذه المتاهة التي لا نهاية لها من الصعوبة، ولكن عليك أن تتعلم التعرف عليها من بين الأصوات الأخرى في عقلك. يجب أن تتعلم كيف تشعر بها وتعرفها وتثق بها بما يكفي لإتباعها حتى تتمكن من إثبات نفسها لك بمرور الوقت.
لقد زودك الرب بالخطوات إلى المعرفة الروحية، والتعليم العظيم في الخلاص، والممارسات لمساعدتك على تحقيق ذلك، معطى بأبسط لغة ممكنة مع الكثير من التكرار والتوضيح. يمكن أن ترشدك وتقودك وتوجهك نحو هذه القوة الأعظم التي وضعها الرب في داخلك، والتي هي وحدها تعرف مصيرك والاتجاه الذي يجب عليك اتباعه، والذي لا يمكنك رؤيته في هذه اللحظة.
هدفك هو القضاء على الفقر في داخلك والمساعدة في القضاء على الفقر لدى الآخرين، ليس فقط الفقر الجسدي ولكن الفقر الروحي، لأن هذا هو أصل كل المعاناة الإنسانية — للأغنياء والفقراء.
هنا كل شخص لديه هدف مشترك. على الرغم من أن هداياك مخصصة لأماكن وأشخاص معينين، إلا أن لكل شخص هدف مشترك سواء أكانوا متدينين أم لا، بغض النظر عن البلد أو مجموعة الظروف التي أتوا منها.
الاستعادة يجب أن تحدث في عدد كافٍ من الناس، وفيك. واجه فقرك، وسوف يمنحك الأمر الحافز والتصميم للمضي قُدماً.




