أنت لست عقلك. أنت لست ذكائك. من أنت ليس أفكارك. أنت لست معتقداتك. أنت لست ذكرياتك. أنت لست صراعاتك. أنت لست تلك الأشياء التي تعرف نفسك فيها.
إن غموض من أنت موجود خارج نطاق الفكر وعالمه وما وراء حقيقة الجسد. لكنك تسكن هذا الجسد الآن. والفكر موجود لمساعدتك على الإبحار في هذا العالم والمشاركة هنا. إنه وسيلة تواصل رائعة. إنه بديع وعميق وقادر على القيام بأشياء رائعة إذا تم تنميته بشكل صحيح. لكن بالنسبة لجميع طلاب علم المعرفة الروحية في جميع التقاليد، من الضروري أن تدرك الفرق بين طبيعتك الحقيقية، طبيعتك الأعمق، وتركيب عقلك ونظام معتقداتك، بغض النظر عن كونها منظمة أو غير منظمة.
أن تعيش على سطح العقل ولا تعرف أعماقه وغموضه وقوته وقدراته الحقيقية — يجب أن يكون هذا إدراكاً، أو سوف تعتقد أن الروحانية هي عقيدة أو نظام من المعتقدات. سوف تعتقد أن الممارسة الروحية تتعلق بتعزيز الأفكار وتقوية المعتقدات، وبالطبع يتم التلاعب بهذا بشكل هائل من قبل الحكومة والمؤسسات الدينية — التلاعب بالمعتقدات لأن معظم الناس لا يدركون بعد أن من هم ليسوا عقولهم لذلك يعتقدون أن ما يفكرون به هو ما هم عليه، ويمثل واقعهم.
بمجرد أن تتمكن من كسر هذا الإفتراض وهذا التثبيت، يبدأ الباب بأكمله في الإنفتاح على حياتك الداخلية، حيث سوف تجرب قريباً أن لديك طبيعة أعظم، وطبيعة أعمق تتجاوز خواطرك وأفكارك. اجلس ساكناً لمدة عشرين أو ثلاثين دقيقة، وسوف يصبح هذا واضحاً لك.
إنه مثل ضجيج الشارع — عقلك السطحي — يتحطم ويقرع ويتحرك ويصطدم. إنه يحكم، إنه يقارن، إنه يتخيل، يتذكر، إنه يلقي باللوم، إنه يعرض إرادته. إنه يفعل كل هذا. لكن إذا تراجعت عن ذلك، لإغلاق الأبواب، وإغلاق النوافذ والدخول إلى الحرم الداخلي لبيتك، فإن أصوات الشارع سوف تتلاشى وفي النهاية تختفي تماماً.
إنه مثل هذا الأمر في عقلك. بمجرد أن تغوص تحت سطح عقلك، سوف تجد أن هناك حقيقة أعظم لا تعرف عنها شيئاً، وواقعاً متعدد المستويات، وأن لديك ارتباطات أعمق هنا وعلاقات أعمق.
لديك علاقات مع عائلتك الروحية، الذين ليسوا في العالم. لديك علاقات مع عائلتك الروحية الذين يعيشون في عوالم أخرى. لديك علاقة مع معلميك، ذلك الحضور اللامرئي الذين يراقبون تطورك والذين يرسلون لك أفكاراً من وقت لآخر لمساعدتك في الإنفتاح على واقع حياتك الحقيقية. وبالطبع لديك قوة المعرفة الروحية، العقل الأعمق بداخلك، العقل الذي خلقه الرب، وليس العقل الذي أوجدته الثقافة والعالم.
هذا العقل الأعمق يختلف تماماً عن فكرك ولديه قوة ويقين عظيمين. لا يحكمه الخوف والرغبة. إنه ليس مدفوعاً بالإكراه والقلق. لا يحتاج إلى تأكيد نفسه والدفاع عن نفسه وإرباك الآخرين للسعي على القوة والإعتراف في العالم. إنه هنا فقط لخدمة هدف أعظم، وهو وحده الذي يدرك هذا الأمر في داخلك.
بمجرد كسر ارتباطك بسطح عقلك وإدراك أن هذا ليس سوى جزء تلعبه في العالم — مثل الدور الذي قد يلعبه الممثل على خشبة المسرح — عندها يمكنك البدء في رؤية التيار الأعمق والشعور به وتجربته في حياتك. هذا يفتح لك في الحياة لتجربة العلاقات التي تمثل هذا التيار الأعمق، هذا التعرف الأعمق، هذا الهدف الأعظم معاً.
هذا يقلل من تأثير الخوف. هذا يقلل من تأثير الرغبة والإكراه. هذا يكسر افتتانك بأوهامك الخاصة. هذا يكسر قيود الهوية التي تجعلك مستعبداً لمجموعة من الأفكار والأنشطة التي لا علاقة لها بمن أنت حقاً ولماذا أنت حقاً في العالم.
أي شخص لديه أي عمق روحي، بغض النظر عن تقاليدهم أو زمنهم من التاريخ، قد كسر هذا التثبيت والهوية مع سطح العقل. إنهم يعلمون أن هناك حقائق أعظم يجب تجربتها ولا يمكن للأفكار وحدها احتوائها، ولا يمكن للنظريات والفلسفات وأنظمة التفكير أن تمثلها بشكل كامل.
يرون حدود العلم. يرون حدود الفكر. يرون حدود اللاهوت والفلسفة. إنهم يدركون أن هناك غموض في حياتهم وأن لديهم الفرصة لتجربة هذا الغموض والتعبير عنه للآخرين. هذه نقطة تحول عظيمة، كما ترى.
لكن عندما تنظر إلى العالم، الناس محاصرون تماماً. لا يمكنهم مغادرة الشارع والبحث عن الحرم داخل أنفسهم. إنهم محاصرون للغاية، يحفزون عقولهم دائماً — يحصلون على أفكار جديدة ومعتقدات جديدة ويمارسون معتقداتهم القديمة ويعززون معتقداتهم القديمة ويجدون أشخاص آخرين في علاقة يمكن أن يساعدونهم في تعزيز معتقداتهم. كل هذا هو تجنب الخوف — الفراغ، الخوف من الخسارة، الخوف من عدم العثور، الخوف من الهزيمة، الخوف من الحيرة، الخوف من الفوضى، الخوف من الهرم، الخوف من الموت والإبادة.
كل هذا النشاط المستمر لتعزيز هوية المرء هو ببساطة هروب. إنه الهروب من الواقع الذي يعيش بداخلك في هذه اللحظة، والذي وحده يحمل الهدف الأعظم والمعنى الأعظم لحياتك. إنه الهروب من نفسك. إنه الهروب من خوفك وعدم يقينك، مدفوعاً ومُحاصراً بإستمرار. هذا ليس من قبيل الصدفة. إنها ليست مجرد ظروف.
لا يمكن للناس الجلوس سكوناً لمدة خمس دقائق. لا يمكنهم لوم ظروفهم على ذلك. يمكن قضاء الوقت الذي يقضونه أمام المرآة في الحمام كل يوم في الجلوس بهدوء، وممارسة الإستماع الداخلي، والإنفتاح على المشهد الطبيعي للعقل وبئر الصمت العظيم داخل النفس الذي يجلب السلام والبصيرة والقوة للفرد.
الناس محاصرين في عقولهم، ولا يبدو أنهم يجدون طريقة للخروج منه، كما لو كانوا محاطين بأسلاك شائكة ولا يمكنهم إيجاد مخرج. لكن الجلوس ساكناً ومتابعة أنفاسك، أو تكرار صوت أو كلمة، يكفي إذا بقيت معها، إذا واصلت ممارستك ولم تشعر بخيبة أمل أو إحباط لأنك في البداية تكتشف مدى سيطرة عقلك عليك، كم أنت عبداً لتفكيرك ومعتقداتك وذكرياتك ومخاوفك وإسقاطات خوفك.
غني أو فقير، هذه هي العبودية التي تكافح البشرية وتعاني تحتها. اذهب إلى أغنى الأماكن في العالم ولا يزال الناس عبيداً للعقل، وعبيداً لحاجاتهم ورغباتهم، ودوافعهم ومخاوفهم. حتى لو كانوا يعيشون في روعة، فإنهم يتصرفون مثل الخدم — يكدحون بعيداً، غير مدركين لما يضطهدهم، وغير قادرين على رؤية المخرج.
فالدين إذن يصبح محكوم بالعقل، محكوم بالفكر . يصبح طقوساً، أو اعتقاداً، أو متطلباً إجتماعياً، أو تأكيد إجتماعي. يفقد أسبقيته، حميميته، حماسته، غموضه ونعمته.
الآن يجب أن تذهب إلى الكنيسة أو المسجد أو المعبد لأنه متوقع منك ذلك. وأنت خائف من ما قد يحدث إذا لم تفعل. وأنت تسأل الرب عن أشياء لتساعدك، ولإنقاذك، ولإعطائك ما تريد، ولحماية أحبائك.
بعض الطلبات حقيقية والبعض الآخر ليس كذلك. لكن هل تسعى لتجربة إتحاد مع الإله؟ هل تسعى لتجربة ما يكمن تحت سطح عقلك؟ هل تسعى إلى معرفة واقعك الروحي وطبيعتك، التي تتخطى التوقعات والتكهنات اللاهوتية؟
أنت محاصر تماماً في تجليات الحياة، لكن ماذا عن غموضها؟ الهدف منها؟ معناها؟ لا يمكن العثور على هذه الأشياء إلا تحت السطح.
قد تخلق تفسيرات رائعة، نظريات إيمانية جميلة، أيديولوجيات معقدة بشكل غير عادي، لكن العقل لا يستطيع أن يدرك قوة الروح، أو حقيقة أو حكمة الروح، التي هي قوة وحكمة المعرفة الروحية بداخلك. ولكن لبدء الإنخراط في هذا الإستكشاف الأعمق وبناء المهارات والصبر والتصميم الذي سوف تحتاجه للمضي قدماً، يجب أن تبدأ في اتخاذ الخطوات إلى المعرفة الروحية — لتتعلم كيفية تركيز عقلك وتخطي جميع أجزائه وتثبيتاته.
لقد أعطاك الرب أنقى الممارسات الروحية التي يمكنك أن تجدها في ممارسة السكون والإستماع الداخلي. ويتم إعطاء الممارسات في الخطوات إلى المعرفة الروحية. إنهم لا يتطلبون معتقدات رائعة. إنهم لا يحتاجون إلى أصنام للعبادة. إنهم لا يحتاجون إلى شخصيات بطولية أو قديسين أو منقذين أو صور رمزية. يمكنك التدرب عليهم في اللحظة التالية. يمكنك التدرب عليها هذا المساء أو صباح الغد.
أنت تتدرب لأنك تريد أن تعرف الحقيقة الأعمق لحياتك. وأنت تعلم أن هناك شيئاً ما لأنك تعلم دائماً أن هناك شيئاً ما هناك. إنها ليست مسألة إيمان.
المعتقدات تتغير. المعتقدات متلاعبٌ بهم. المعتقدات معززة، ثم تنهار المعتقدات. السبب الذي يجعل الناس يضطرون دائماً إلى إعادة تأكيد الإعتقاد هو أن الإيمان غير مستقر بطبيعته لأنه لا يحتوي على أساس أعمق. وإلى أن يصبح للإعتقاد قاعدة أعمق، سوف يكون غير مستقر وغير موثوق به ويمكن أن يصبح مخادع للنفس بشكل شديد.
في التأمل، أنت تتعلم التراجع عن عقلك وتجد الهدوء والسلام اللذين يسمحان لعقلك بالإنفتاح وتصبح حواسك صافية وحادة. من هذا يأتي قدر أكبر من التمييز والتحفظ في الحياة.
تتوقف عن الحديث كثيراً وتبدأ في الإستماع أكثر. أنت تبتعد عن التحفيز المستمر حتى تتمكن من البقاء مع تجربتك الخاصة. تبدأ في تقييم تجربتك أكثر من أفكارك، وتدرك أن تجربتك أكثر واقعية وموثوقية أكثر بكثير. أنت تستمع للآخرين بشكل مختلف. أنت تتصل بالآخرين بشكل مختلف. تبدأ في تجربة عمق الطبيعة ليس مجرد كمشهد طبيعي بل كقوة حياة. تبدأ في تجربة البيئة العقلية لحياتك، وبيئة التفكير والتأثير، وتبدأ عوالم جديدة في الإنفتاح لك.
لا يستطيع الرب فعل أي شيء من أجلك حتى تبدأ مسار التحرير هذا. لن تتحرر بالكامل. هذا ليس هدفا واقعياً. ولكن بمجرد أن تبدأ في التمييز بين تجربتك الأعمق وفكرك، سوف تبدأ الأبواب في الإنفتاح لك.
سوف تبدأ حياتك تصبح منطقية. وسوف تبدأ في تجربة التيار الأعمق في حياتك، والذي كان يتدفق دائماً، على عكس خططك وأهدافك والكثير من كيف قضيت حياتك في الماضي.
قل لنفسك: ”أنا لست عقلي. أنا لست فكري“. هذه أفكار أيضاً، لكنها تشير إلى حقيقة أعظم بداخلك، لا تتعلق بالأفكار. هنا لا تشوه سمعة الفكر، لكنك تدرك أنه يجب أن تحكمه روح أعظم في داخلك، وأن روحك الأعظم محكومة بمصدر الروحانيات كلها.
هنا يتم تقدير الفكر، لذلك تريد تنميته. أنت لا تريد أن تلوثه بأشياء قبيحة وعنيفة. أنت لا تريد أن تشوه سمعته بسلوك تدمير الذات واحتقار الذات. تريده أن يكون واضح وقوي. تريده أن يخدمك بدلاً من أن تخدمه.
هذا تصحيح عظيم في علاقتك مع نفسك، وهو أساساً لعلاقتك بعقلك وبجسدك. لأنك تمتلك نفساً واحدة فقط، لذا فإن علاقتك بنفسك هي علاقتك بالواقع الأعمق بداخلك. لكن من هذا الواقع، لديك علاقة مع عقلك وجسدك، والتي يجب أن تحكمها وتديرها وتوجهها بحكمة وعطف، بدلاً من تركها لتوجيه نفسها.
جسمك هو مركبة رائعة. بدونه، لا يمكنك التواصل مع الناس هنا. لن يتمكنوا من سماعك. لن يتمكنوا من رؤيتك. لن يلاحظوا وجودك، حتى لو كنت تقف بجانبهم. إذا لم يكن لديك عقل، فلن تتمكن من الوصول إلى عقولهم. سوف تكون غير مرئي. لن يعرفوا حتى أنك كنت هناك. لذا فإن العقل شيء ثمين جداً. الجسد هو شيء ثمين جداً، يُساء معاملتهم في العالم كثيراً، وتستباح حرمتهم في العالم كثيراً، بشكل مأساوي.
لكن بالنسبة لك، يجب أن تجد طريقة الآن لبناء علاقة حقيقية مع نفسك الأعظم، وطبيعتك الأعمق، لأن هذا يحمل مفتاح حياتك ومستقبلك. وكلما اقتربت من ذلك، كلما كان من الصعب عليك ارتكاب الخطأ وأن تلقي بنفسك إلى التهلكة.
لا تظن أنك لا تلقي بنفسك في التهلكة، أو أنك على حق حيث تريد أن تكون، وأنك مُرشد ومحكوم بالفعل، لأن هذا ليس هو الحال. إذا كنت صادقاً مع نفسك، فسوف يتعين عليك بالتأكيد الإعتراف بذلك.
إنها رحلة عظيمة أمامك. وقد أعطاك الرب طريق، طريق لإعادة اكتشاف قوة وحضور المعرفة الروحية وأهميتها الهائلة لحياتك ومستقبلك. إنها أكثر الأشياء جدارة بالثقة.
عندما يصبح العالم أكثر اضطراباً وفوضى في مواجهة أمواج التغيير العظيمة، سوف تحتاج إلى هذه القوة وهذا التوجيه وهذه الثقة بالنفس. سوف تحتاج إلى العثور على هذه القوة في الآخرين ودعمها، لأنه سوف تكون قوة المعرفة الروحية وقوة العلاقات الحقيقية التي سوف تحميك وترشدك وتقودك إلى إنجازاتك العظيمة في الحياة.
الفكر لا يعرف هذه الأشياء. يمكنه فقط التكهن والأمل والإيمان. لكن يقين حياتك الأعظم موجود بالفعل في داخلك، مثل شحنة سرية لا يمكنك فتحها بنفسك. يجب أن يتم استدعاؤها منك، ولكن لكي يتم استدعاؤها منك، يجب أن تكون مستعداً. يجب أن تستعد. يجب أن تحرر نفسك من سطح عقلك بما يكفي لتتمكن من السفر تحته كلما كان ذلك ضرورياً.
بهذه الطريقة، تصبح وسيطاً بين بيتك العتيق والعالم، بين واقعك المادي وواقعك الروحي. تصبح وسيلة للنعمة والقوة والمساهمة. هذه رغبة قلبك. هذا ما خلقتم للقيام به.
لم تخلقوا لتعيشوا حياة بائسة وفوضوية في عالم قاسٍ وصعب. هذا ليس مصيركم الحقيقي. قد يكون هذا هو واقعكم الحالي، لكنه ليس مصيركم الحقيقي. لكن الأفكار وحدها لا تستطيع أن تؤكد لكم ذلك. يجب أن تختبروا الأمر بشكل أعمق داخل أنفسكم وفي علاقاتكم الحقيقية مع الآخرين.
استمع إلى هذه الكلمات. استمع إلى القوة والحضور اللذين بهما هذه الكلمات. اسمعهم بعمق. لا تجادلهم. لا تستخدم عقلك كنوع من السياج أو الحاجز. لا تستخدم عقلك للإختباء. لا تستخدم عقلك لعمل مشكلة مع ما هو موجود لخدمتك بعمق.
الرب لديه خطة لحياتك. لا يمكنك معرفة ذلك بفكرك لأنه لم يتم خلقها بواسطة فكرك، وهي تفوق فكرك كثيراً. هذا هو السبب في أن معتقداتك الدينية لا يمكن أن تكون مطلقة إلا إذا كنت غبياً ومغروراً. سوف يتعدى الغموض دائماً عليهم ويحيرك بهم ويحررك منهم.
فليكن هذا فهمك.




