من الطبيعي أن يرغب الناس في اكتشاف طبيعتهم الأعمق، وفي اكتشاف وتحقيق الهدف الأعظم من مجيئهم إلى العالم. ففي الحقيقة، كل شخص قد أُرسل إلى هنا لهدف أعظم، على الرغم من أن قلة قليلة جدًا من الناس قد اكتشفوا هذا، أو حتى فهموا أنه حقيقة واقعة بالنسبة لهم.
بمجرد أن تؤمن نفسك في العالم وتوفر الاحتياجات الأساسية — الطعام والماء، المأوى، الملابس والأمان — تظهر مجموعة أعمق من الاحتياجات: الحاجة إلى الحرية الشخصية والتعبير عن الذات، الحاجة إلى الفرص، الحاجة إلى تطوير وصقل المهارات والقدرات، الحاجة إلى الحرية السياسية والفرص الاقتصادية. ولكن أبعد من إمكانية تحقيق هذه الاحتياجات، هناك حاجة أعظم وأكثر جوهرية داخل الفرد. وبينما الكثير من الناس في العالم اليوم لا يستطيعون حتى تحقيق المجموعة الأولى من الاحتياجات مثل الطعام والمأوى والأمان، فإن هذه الحاجة الأعمق تسكن بداخلهم أيضًا.
هذه واحدة من مآسي الفقر: أنه يحرم نسبة عظيمة من البشرية من إمكانية تقديم مساهمتهم للعالم. الأفراد الذين كان من الممكن أن يصبحوا مساهمين رئيسيين في ثقافاتهم ومجتمعاتهم، وفي رفاهية وتقدم البشرية، لن يحصلوا حتى على فرصة للتعبير الأعظم عن حياتهم. فهم منهزمون بظروفهم، سجناء لظروفهم.
أما الآخرون الأكثر ثراءً فيصبحون سجناء لرغباتهم وهوسهم. يصبحون سجناء لطموحاتهم أو مصالحهم الشخصية، لعلاقاتهم العاطفية أو إدمانهم. في كل هذه الحالات، يُمنع الناس من الوصول إلى طبيعتهم الأعمق، التيار الأعمق في حياتهم، ومعها إمكانية تجربة والتعبير عن الهدف الأعظم الذي جاءوا إلى العالم من أجله.
بالنسبة لبعض الناس، يُعتبر التنوير الهدف الأسمى: أن تصبح حرًا من التعلق، حرًا من قيود العالم، حرًا لتغمر نفسك في وعي أعظم، وعي كل الحياة، ربما وعي الرب؛ أن تصبح غير مقيد داخليًا، حرًا من الغضب والاستياء وضعف الثقة بالنفس.
بالنسبة لبعض الناس، يصبح التنوير هوسهم الجديد. يعتقدون أن هذا هو سبب وجودهم في العالم — ليتهربوا من العالم، ليتهربوا من الدورة اللامتناهية للوجود ومعاناة وكفاح وصعوبات التي تأتي معها.
إذا كان هدفك هو اكتشاف المعرفة الروحية الأعمق التي وضعها الرب بداخلك، واتباع تلك المعرفة الروحية، وأن تكون وسيلة لتعبيرها في العالم — إذا كان هذا هو تعريفك للتنوير، إذن التنوير سيكون مناسبًا تمامًا. لكن التنوير، في أذهان الكثير من الناس، هو شيء مختلف تمامًا. إنه نوع من التمجيد الشخصي. إنه هروب من الحياة. إنه انسحاب من العالم. إنه طموح عظيم.
لكن إذا كانت الممارسات الروحية التي تقود في اتجاه التنوير يمكن أن تربط الشخص بمعرفته الروحية الأعمق، طبيعته الأعمق، إذن سيكون عليهم العودة إلى العالم ليخدموا. لأنك إذا اكتشفت طبيعتك الأعمق، إذا اختبرت العقل الأعمق للمعرفة الروحية بداخلك، سوف تدرك أن لديك مصيرًا في العالم وخدمة لتؤديها هنا، خدمة محددة جدًا تتضمن أفرادًا معينين.
على الرغم من أنك ربما سعيت إلى النعيم والرضا، في الواقع ستجد أن لديك خدمة عظيمة في العالم، وعليك أن تعود إلى العالم بكل صعوباته، مآسيه وإغراءاته، لأن هذا هو سبب مجيئك إلى العالم.
لم تأتِ إلى العالم لتهرب منه. لم تأتِ إلى العالم لتحقق السعادة والرضا الشخصيين، لأن ذلك يحولك فقط إلى مستهلك جماعي، ويؤدي إلى الهوس بالذات، وهو مصدر كل الأمراض العقلية.
إذا كان سعيك للتنوير يربطك بالمعرفة الروحية، إذن ستكون مستعدًا للعودة إلى العالم، وقد تشاركك خدمتك في مواقف صعبة جدًا، حيث الحاجة عميقة. لا يمكنك الهروب من هذه الخدمة، لأنها تمثل حقًا مصيرك.
بالنسبة لبعض الناس، التنوير لا علاقة له بالمعرفة الروحية. إنه هدف شخصي. إنه التجربة القصوى للسعادة والرضا. وهذا هو هدف حياتهم: أن يكونوا سعداء وراضين.
لذلك سيقضون حياتهم — كل مواردهم، كل إرادتهم الذاتية — في محاولة القضاء على أو التغلب على أو تجاهل كل النزعات بداخلهم التي تجعلهم صغارًا ومقيدين بالعالم. لكنهم سيتجاهلون أيضًا قوة وحضور المعرفة الروحية وما تدعوهم لفعله. وسيواجهون الشعور بالذنب، الذنب لأنهم لا يستجيبون لطبيعتهم الأعمق وللحاجة الأعمق للنفس. لكنهم سيميلون إلى رفض هذا الذنب باعتباره مجرد جزء من القيود التي يجب عليهم التغلب عليها.
هنا يوجد خلط، سوء فهم، إدراك خاطئ لهدف وغاية حياتك. بينما السلام والرضا مهمان بالتأكيد، إلا أنهما يجب أن يكونا نتيجة أو ثمرة لانخراط أعمق وأكثر جوهرية في العالم.
الهروب من العالم لتحقيق السعادة لا يختلف عن محاولة إثراء نفسك بالممتلكات أو بالحصول على مكانة اجتماعية عالية. إنه لا يزال تركيزًا على تحقيق الذات. لكنك لم تأتِ إلى العالم لتحقيق ذاتك. لم تأتِ إلى هنا لتكون مستهلكًا جماعيًا، لاستخدام كل شيء في العالم لتعليمك، لرضاك، لسعادتك.
هذه نقطة توضيح مهمة جدًا، لأنه إذا لم ترَ هذا، فسوف تعتبر التنوير طريقًا نبيلًا يجب السير فيه، السعي الأسمى، المغامرة الأعظم، التحدي الأعظم والأكثر أهمية في الحياة. لكنك تخاطر بفقدان ما هو أساسي فيك وفي الهدف الأعظم الذي جاء بك إلى العالم.
بينما قد يكون من الضروري الانسحاب من العالم، حتى لفترات طويلة من الزمن، لبناء اتصال داخلي بهذه المعرفة الروحية الأعمق التي وضعها الرب بداخلك، لتجرب حياتك على مستوى أعمق وأكثر جوهرية، ولتحصل على إحساس حقيقي بالاتجاه في الحياة، إلا أن هذا الانسحاب من العالم بالنسبة لمعظم الناس يجب أن يكون مؤقتًا.
الشخص المقدّر له أن يصبح راهبًا هو فرد نادر، ومشاركته في الحياة الرهبانية لا يجب أن تكون مدفوعة بعدم القدرة أو تجنب العمل في العالم. هذا يمثل دافعًا زائفًا. لا يأتي من القلب.
لا يمكنك تنقية نفسك تمامًا قبل أن تخدم الآخرين. هذا غير ممكن لأن الخدمة نفسها جزء من التنقية. وبينما صحيح أنه لا يمكنك ببساطة خدمة الناس دون بناء حياة داخلية وأساس في المعرفة الروحية بداخلك، إلا أنه من الصحيح أيضًا أنه لا يمكنك تأجيل الخدمة إلى أجل غير مسمى بينما تسعى وتكافح لتحقيق نوع من الكمال داخل نفسك.
الهدف من ممارستك الروحية — بأي شكل كانت، في أي تقليد — هو إشراك عقلك السطحي، عقلك الدنيوي، مع عقل المعرفة الروحية الذي وضعه الرب بداخلك، واتباع تلك المعرفة الروحية، والتي ستأخذك لتختبر ثم تعبر عن هدفك الأعظم لوجودك في العالم، وهو شكل محدد من الخدمة للحياة.
لا تعتقد أنك تشفي العالم من خلال ممارستك الروحية وحدها، رغم أن ممارستك الروحية تلقي تأثيرًا مفيدًا في البيئة العقلية. لديك خدمة أعظم لتؤديها. حتى أولئك الذين يعيشون في الأديرة يجب أن يخدموا بعضهم البعض ويقوموا بذلك من حالة التواضع والاحترام.
لأن الحياة هي خدمة للكائن الواعي. أنت لست مجرد نبات أو حيوان يجب فقط أن يبقى على قيد الحياة ويتكاثر. أنت هنا لهدف أعظم. أنت لست هنا لتكون جرادًا على العالم، تستهلك كل شيء في مرمى البصر. أنت هنا لهدف أعظم. هذا الهدف الأعظم هو ما يمثل تحقيق روحك وتحقيق مصيرك. القيام بذلك بشكل كافٍ يحررك من الاضطرار إلى العودة إلى هذا المستوى من الحياة. لأن هذا سينهي الانفصال داخل نفسك ويبني اتصالًا قويًا بما وضعه الرب بداخلك، وبالرب، بحيث لا تحتاج إلى الدخول في الحياة الجسدية مرة أخرى. خدمتك إذن ستكون على مستوى آخر. ستكون خدمة أعظم ومسؤولية أعظم.
لا تسعى إلى الكمال. لا يمكنك أن تجعل عقلك الشخصي كامل، لا يمكنك أن تجعل جسدك كاملاً، لا يمكنك أن تعيش حياة من الاتزان المثالي دون أن تفصل نفسك عن العالم ودون أن تفصل نفسك عن المعرفة الروحية بداخلك. بغض النظر عن المدة التي تستغرقها في الانخراط في الممارسة الروحية، يجب أن تعود إلى العالم لخدمته.
كل شخص أُرسل إلى العالم ليخدم. لكن الخدمة تتطلب إعدادًا. تتطلب الموقف الصحيح والفهم الصحيح.
هناك الكثير من الناس الذين يشاركون في الخدمة كنوع من التعويض عن افتقادهم للنزاهة، وعن عدم قدرتهم على الصدق حول حياتهم والانخراط مع الآخرين بصدق وملاءمة. لذلك يسعون لمواجهة الشعور بالذنب وعدم الكفاية الذي ينتج عن ذلك من خلال الانخراط في أشكال مختلفة من الخدمة. لكن خدمتهم هي نوع من التعويض الذاتي. إنها مرتبطة بحياتهم المختلطة ونهجهم في الحياة.
لذلك، فهي ليست كاملة. ليست أصيلة. لا تحوي قوة الروح بداخلها. إنها أكثر شكل من أشكال الهروب، شكل من أشكال التجنب، محاولة لإثبات قيمة الذات.
هذه ليست خدمة حقيقية. لهذا السبب يجب أن تأخذ الخطوات للمعرفة الروحية وتبني اتصالًا بالمعرفة الروحية قبل أن تحاول أن تكرس حياتك للخدمة. بهذا المعنى، يجب أن تبني أساسًا، لأنه لا يمكنك تحديد شكل الخدمة. قد تحاول. قد تحاول أشياء كثيرة مختلفة، قد تكرس نفسك لأشياء كثيرة مختلفة، وبينما قد يكون هذا مفيدًا للآخرين، قد لا يقودك إلى أي مكان.
لأنك وُلدت لهدف أعظم. شكل الخدمة الذي قدّر لك أن تقدمه يعيش بداخلك، محفوظًا ومقدسًا داخل المعرفة الروحية بداخلك. لا يمكنك اكتشافه بفكرك. لا يعتمد على أهدافك أو طموحاتك الشخصية.
يجب أن تستسلم للمعرفة الروحية بداخلك، وتتعلم أن تجد هذا الهدف الأعظم، وتميزه عن كل الدوافع والتوقعات الأخرى في عقلك، وتكتسب القوة والحرية الداخلية لتكرس نفسك في هذا الاتجاه — وبالتالي تتغلب على طموحاتك الأخرى، مما يتطلب منك أن تصالح حياتك، أن تنظم حياتك وأن تنسحب من مساعيك المدمرة للذات ومن علاقاتك المتضررة، التي لا تؤدي إلى أي مكان ولا يمكن أن تنتج أي شيء ذي قيمة للعالم.
هذه هي التنقية الذاتية لأخذ الخطوات إلى المعرفة الروحية. لكنها ليست نفسها محاولة أن تصبح مثاليًا وفقًا لمفاهيمك أو مثاليتك، أو مثال أي شخص آخر، أو حتى مثال الدين والتعاليم الدينية.
بدلًا من التمجيد الشخصي، هو النزول إلى الحقيقة بداخلك. إنه مصالحة. ليس هروبًا من الحياة. إنه إعادة انخراط في الحياة. وهذا يبدأ بإعادة الانخراط في التيار الأعمق للحياة في حياتك، خيط الحقيقة الذي كان موجودًا كل يوم من حياتك.
بينما ربما بنيت وجودًا غير مرتبط بهذا الخيط الأعمق من الحقيقة، إلا أنه يبقى. إنه شريان حياتك إلى الرب. إنه جوهر ومركز حياتك الحقيقية. حتى إذا خلقت حياة مليئة بالتزامات وارتباطات وتعلقات أخرى، إلا أن هذا الخيط الأعمق من حياتك هو ما يجب أن تتصل به مرة أخرى.
فقط المعرفة الروحية تعرف لماذا أنت هنا وما الذي أتيت لتفعله. لذلك بينما قد تحاول أن تفعل أي عدد من الأشياء الأخرى، محاولًا تحقيق ذاتك أو حتى محاولًا خدمة العالم، إلا أن المعرفة الروحية بداخلك فقط تعرف إلى أين تحتاج أن تذهب وما تحتاج أن تفعله. والأهم من ذلك، المعرفة الروحية تعرف المسار الذي يجب أن تتبعه لتعد نفسك، لاستعادة نزاهتك ووضوح عقلك لكي تتعرف على وتؤدي هذه الخدمة الأعظم.
هنا الطموح الشخصي وتجنب الذات عوائق عظيمة لإعادة الاتصال بالمعرفة الروحية. الناس يستثمرون بكثافة في مساعيهم الشخصية، في علاقاتهم الشخصية. يريدون أن يستمروا في محاولة إثبات أن استثماراتهم كانت حكيمة وفعاله. لذلك يستمرون في محاولة جعلها تعمل. يستمرون في محاولة جعل علاقاتهم تعمل أو مساعيهم في الحياة ناجحة. ويستمرون في المحاولة والمحاولة والمحاولة، فقط يؤجلون اليوم الذي يدركون فيه أنهم لا يتحركون في الاتجاه الصحيح وأن استثمارهم المستمر لأنفسهم ومواردهم لا يفعل سوى تعميق وتفاقم معضلتهم.
لهذا السبب يجب أن تبدأ بأخذ الخطوات إلى المعرفة الروحية، لأن هذا سيجلب التوضيح إلى حياتك. هذا سيعيد لك قوتك الأعظم وإحساسك الأعظم باليقين. هذا سوف يحررك من التزامات أو إرتباطات أخرى ليس لها مستقبل والتي تهدر حياتك فقط.
لا تعتقد في هذا الصدد أنك في المكان الذي تحتاج أن تكون فيه، لأنه في الحقيقة أنك تحاول الصعود إلى جبل. أنت تحاول أن تتجاوز الوديان والأشجار لترى وتعرف وتكون لديك الوضوح لفهم معالم حياتك والرحلة الأعظم التي يجب أن تقوم بها.
هنا يجب أن يتم وضع العديد من الأشياء جانبًا — حتى التنوير. الأهداف الشخصية، الطموحات، الإنجازات القصوى — كلها مدفوعة بعدم الأمان الشخصي والشك الذاتي.
دون المعرفة الروحية لتوجيه عقلك، عقلك مثل طفل ضال. إنه مثل يتيم في العالم، غير آمن وخائف إلى الأبد، يشعر بعدم الكفاءة ويحن إلى نوع من لم الشمل أو إعادة الاتصال بواقع أعظم. إنه يدفعك. يدفعك بلا توقف لمحاولة العثور على نفسك في الناس، الأماكن، الأشياء، أو حتى في التنوير.
مهما كان الهدف المعلن، الحافز الدافع هو نفسه. إنه مولود من الانفصال. إنه مولود من حقيقة أنك غير متصل بالمعرفة الروحية وأن عقلك الشخصي يجري بشكل بري، يحاول أن يجد التحقيق، يحاول أن يجد الأمان، يحاول أن يجد السعادة، يحاول أن يجد السعادة القصوى. إنه مدفوع بعدم الأمان وإحساس عميق بالفشل الشخصي.
بينما تستمر في تكريس نفسك لهذه المساعي، مهما كانت، فإن إحساسك بالفشل الشخصي والقلق يزداد فقط، لأنك لم تلبي الحاجة الأعمق لنفسك. وعلى الرغم من أنك تحاول باستمرار تحقيق أهدافك وطموحاتك، إلا أنها تستمر في سرقة وقتك وتقليل فرصتك في الوصول إلى المعرفة الروحية وإعادة اتصال نفسك، وعقلك، ووعيك بالهدف الأعظم الذي جاء بك إلى العالم.
قد يقول بعض الناس: “حسنًا، لا يوجد هدف أعظم حقيقي لي. أنا هنا فقط لأصبح متنورًا حتى أتحرر من العالم وقيوده.” لكن هذا هو نوع من التعبير النهائي عن الانفصال، أنه لا يوجد هدف أعظم لذلك الشخص. هم هنا فقط لمحاولة خلق واقع نهائي لأنفسهم أو القفز إلى الواقع النهائي كما يتصورونه.
لكن مشكلتهم هي أن ما يحفزهم هو الخوف والقلق، وإحساس عميق بالنقص في حياتهم وطبيعتهم. إنهم يحاولون خلق وتحقيق الإجابة، لكن الإجابة قد أُعطيت لك بالفعل.
أُعطيت الإجابة في بداية الزمن عندما بدأ الانفصال. خلق الرب المعرفة الروحية على الفور في كل الكائنات الواعية — ضمير أعمق، إحساس أعمق بالاتصال والمسؤولية، تجربة أعمق للتحقيق والعلاقة.
إذا كانت فكرتك عن التنوير موجهة نحو المعرفة الروحية، إذن فهي مناسبة. لكن فهمك لا يزال غير مكتمل. لأنه يجب أن ترى أن سعيك للوضوح، اليقين والقوة سيقودك إلى شكل أعظم من الخدمة في العالم. الهدف ليس النعيم أو الرضا أو السلام، بل الانخراط على مستوى أعلى.
إذا كانت فكرتك عن التنوير هي تحقيق نوع من الهروب من الحياة، إذن يجب أن تعيد النظر في أهدافك، وتفكر بجدية في حقيقة أن الرب قد وضع الإجابة بالفعل بداخلك، وأنك لا يمكنك أن تجد هذه الإجابة وحدك فقط من خلال الممارسة الروحية. لأن الإجابة هي حركة. ليست مجرد إدراك واحد. ليست مجرد لحظة مفاجئة حيث تنفتح عيناك ويصبح عقلك واضحًا تمامًا.
قد يكون لديك مثل هذه اللحظات الواضحة كنتيجة لممارستك الروحية، لكن في النهاية أنت هنا لتتصالح مع الحركة الأعظم لحياتك — حركة لها اتجاه وهدف في العالم، حركة ستأخذك إلى العالم لتتعامل مع أشخاص معينين لهدف أعظم وأكثر تحديدًا.
يتم استعادة المنفصلين في كل مكان في الكون من خلال المعرفة الروحية. مهما كان فهمك أو توجهك، مهما كانت طبيعة ممارستك الروحية، تبقى الحقيقة أنك تُنقذ بالمعرفة الروحية.
المعرفة الروحية ليست شاطئًا بعيدًا. ليست مكانًا نائيًا. ليست نتيجة رحلة طويلة وشاقة. إنها بداخلك الآن. تتحدث إليك كل يوم، لكنك لا تستطيع سماعها لأن عقلك مليء بالضوضاء ومنخرط جدًا في مساعيه الخاصة.
ليس الكمال هو ما تسعى إليه، بل هذا الانخراط الأعمق وهذه العلاقة الأعمق مع الرب. هذا يعيدك إلى العالم لتساهم بشيء في تدفق وتطور الحياة هنا، وفي رفاهية البشرية، وفي العالم. لا تحاول أن تحدد هذا الدور النهائي لنفسك، لأن ذلك سيعيق فقط تقدمك.
هنا يجب أن يعيش عقلك مع الأسئلة ولا يعتمد على الإجابات. يجب أن يكون لديك إحساس بالأمان والثقة بالنفس لتعرف أنك على المسار الصحيح، أنك تتسلق جبلًا عظيمًا، أنك لا تستطيع القفز إلى القمة وأنك لا تعرف ما هي القمة أو كيف ستكون أو ما الذي ستعنيه لك. أنت لا تعرف ما الذي ستراه بينما تكتسب ارتفاعًا أعظم على هذا الجبل. لذلك تمضي قدمًا بنوع من الإيمان، لكنه ليس إيمانًا سلبيًا، لأنك منخرط بالكامل في إعدادك.
أنت لا تنتظر صاعقة تضربك. أنت لا تنتظر حدثًا سحريًا أو معجزة تفتح عينيك. أنت تقوم بالرحلة. أنت تتسلق الجبل، خطوة بخطوة. أنت تتعلم أن تأخذ الخطوات إلى المعرفة الروحية، لكي تكتسب إحساسًا وتجربة أعظم للتيار الأعمق في حياتك. هذا هو بشكل أكبر عملية التخلي عن الأشياء بدلًا من تحمل المزيد، هو أكثر عملية تقليص نفسك إلى ما هو ضروري وحقيقي في حياتك بدلًا من تحمل المزيد من الأفكار، الأنشطة، الالتزامات، العلاقات.
إنه مثل التفريغ، لكنه يحدث تدريجيًا لأنه يجب عليك أن تختار على طول الطريق ما تقدره وما لا تقدره. يجب أن ترى ما هو جيد مما يبدو جيدًا فقط. يجب أن تكتسب هذه الحكمة من خلال التمييز، من خلال القرارات، من خلال عملية تحمل بعض المسؤوليات والتخلي عن أخرى.
لهذا السبب التنوير المفاجئ لا يعني أي شيء؛ إنه مجرد لحظة. لا يزال عليك أن تقوم بالرحلة. لا يوجد سجادة سحرية سرية ستأخذك إلى أعلى هذا الجبل. وجود معلم عظيم، حتى الاتصال بالحضور الملائكي، لن ينقلك إلى أعلى هذا الجبل. يجب أن تقوم بالرحلة بنفسك.
من خلال القيام بهذه الرحلة تصبح قويًا، تكتسب الحكمة، تنضج كشخص، تتعلم أن تتخذ قرارات حكيمة، وتميز بوضوح متزايد الحقيقة والزيف الموجودين في أشياء كثيرة، وتفصل بينهما، وتميز الحقيقة من الزيف في عدد متزايد من المواقف. تتعلم أن تفعل هذا دون إدانة، دون كراهية الذات أو كراهية الآخرين. تصبح أكثر رصانة في الحياة، أكثر وضوحًا في الحياة، لكنك متصل دائمًا بوعد الحياة.
هناك معلمون روحيون، أو من يدعون أنهم معلمون روحيون، يعدون بالتنوير، التحرر، الحرية الكاملة، الرضا التام، حياة دون صعوبات، حياة دون صراع. ولكن ما هذا؟ إنه هروب من الحياة. إنه تجنب. إنه مثل إعطاء شخص مخدر، وجعله يدمنه حتى لا يعود مضطرًا لتجربة نفسه أو حالته.
الأشخاص الذين ينجذبون إلى هذا غير مستعدين لعيش حياة رهبانية حقيقية، بكل قيودها وضوابطها. يريدون أن يحصلوا على العالم، لكنهم يريدون أن يحصلوا عليه بشروطهم. يريدون العالم الذي يريدونه. هم غير مستعدين لمواجهة العالم كما هو. يريدون أن يحصلوا على الحب، لكنهم لا يستطيعون أن يقبلوا أنفسهم أو العالم، وبالتالي يبقى الحب بعيدًا عن متناولهم. يريدون أن يشعروا بالرضا عن أنفسهم، لكن في أعماقهم، لا يشعرون بالرضا عن أنفسهم، لأنهم يهملون نوعًا من المسؤولية الأساسية في الحياة. إنهم يفتقدون اتصالاً.
لذلك يحاولون بجهد أكبر. يصبحون أكثر عنادًا في ممارستهم الروحية. يصبحون أكثر انتقادًا لحالة عقولهم. يصبحون أكثر إصدارًا للأحكام على الآخرين، سعيًا لتحقيق فكرتهم عن الكمال أو التحرر.
إنه مثل الشخص الذي يسعى لتحقيق الثروة المادية، وسيفعل أي شيء لتحقيق ذلك. سيتخلى عن علاقاته. سيتخلى عن صحته. سيتخلى عن المشاركة في الحياة لتحقيق أهدافه. إنه مصمم؛ إنه مهووس.
لقد وضع الرب بالفعل إجابة بداخلك، لكن هذه الإجابة لن تظهر إلا عندما تكون مستعدًا لها وعندما تصبح رغبتك فيها نقية وواضحة. ستظهر عندما تُنظم حياتك في نظام وتوافق أعظم، عندما تتصالح مع أنشطتك وأصبحت صادقًا في تعاملاتك مع الآخرين.
ثم العالم نفسه سيدعو هذه المعرفة الروحية للخروج منك، لأنك لا تستطيع أن تدعوها للخروج من نفسك. العالم سينشط هدفك الأعظم. سيخبرك أين تحتاج أن تخدم، أين يمكن أن تكون خدمتك ذات فائدة أعظم، إلى من يجب أن تُوجه، وكيف يجب أن تُعبر عنها.
كم يختلف هذا عن الناس الذين يحاولون تحقيق فكرتهم عن التنوير، أو يحاولون الهروب من الأنا في كل شيء. هنا الأنا هي التي تريد الهروب من الأنا. الأنا تصاحب الرحلة. إنها تكتسب القوة. حتى بينما تسعى للهروب من قيودها، تستمر معك.
إنه مثل محاولة عدم الشعور بالألم. إذا حاولت ألا تشعر بأي ألم عاطفي أو جسدي، سوف تنسحب من الحياة. الحياة غير مريحة. الحياة صعبة. الحياة تقدم مشاكل ومآزق، بعضها صعب جدًا أن تفهمه وتحله. بعضها لا يمكنك حله. إذا كنت لا تريد أن تشعر بهذه الأشياء، إذن أنت تأخذ نفسك إلى مكان آخر، تزيل نفسك من العالم وتزيل نفسك من إمكانية تحقيق هدفك الأعظم هنا.
مسؤوليتك الأولى هي أن تأخذ الخطوات إلى المعرفة الروحية. مسؤوليتك الثانية هي أن تنظم حياتك، مما يعني أن كل ما تفعله صحيح وأنك اكتسبت القوة لتترك الالتزامات، الارتباطات، السلوكيات والتعلقات التي لا تمثل هذه الحقيقة الأساسية بداخلك. بالنسبة للكثير من الناس، هذا يستغرق سنوات وسنوات، لكنه يجب أن يحدث.
ثم تتعلم أن تنظر إلى العالم دون إدانة. تنظر لتسمع، لتحس بحاجة المعرفة الروحية في العالم، وترى إلى أين تأخذك المعرفة الروحية بداخلك.
هنا أنت تنتقل من حياة قديمة إلى حياة أعظم، لكنك لا تستطيع أن تضع حياة أعظم فوق حياة قديمة. أنت تقوم برحلة من واقع إلى آخر، لكنك في العالم بينما تفعل هذا. وأنت تحافظ على ممارستك الروحية في طريقة المعرفة الروحية بينما تفعل هذا.
ما لم يكن مقدرًا لك أن تصبح راهبًا، وهو دور فريد جدًا بمتطلبات محددة جدًا، لا تعتقد أنك ستهرب من العالم. لا تعتقد أنك ستعيش في العالم ولكن ليس في العالم. هذا مثل أن تكون في علاقة ولكنك لست حقًا في علاقة، وهي حالة علاقات الكثير من الناس. نعم، هم هناك، لكن ليس بكل قلبهم. يجب أن تكون في العالم بكل قلبك. لا يمكنك أن تكون مترددًا في هذا. وإلا، فأنت تريد فقط ملذات العالم دون أي من آلامه، وهذا غير صادق. هذا غير واقعي. هذا مثل أن تريد أن تكون في المحيط دون أن تبتل. هذا مثل أن تريد أن تكون في علاقة دون أن تواجه صعوبات في التواصل وفهم شخص آخر. هذا مثل أن تأخذ الحلوى فقط للعشاء وتفوت ما يغذيك حقًا.
التنوير إما حقيقي أو زائف، اعتمادًا على إلى أين يأخذك وما الذي يؤكده. إذا كان مساراً إلى المعرفة الروحية، إذا كان إعدادًا لانخراط أعظم في الحياة، إذن فهو يسير في الاتجاه الصحيح. لكن إذا لم يكن موجها بهذه الطريقة، إذن فهو يأخذك إلى مكان آخر. إنه يعمق هوسك بالذات. يأخذك بعيدًا عن العالم، بعيدًا عن العلاقة الحقيقية، أعمق في نفسك، نفس ليس لها واقع في الواقع.
هنا يجب أن يكون فهمك واضحًا. لقد أُرسلت إلى العالم لهدف، لذلك لا تحتاج إلى خلق هدفك. لقد أعطاك الرب المعرفة الروحية ليخلصك، لذلك لا يجب أن تخلص نفسك. لقد أعطاك الرب اتجاهًا أعظم في الحياة، لذلك لا يجب أن تخلق هذا الاتجاه. لكن يجب أن تعد نفسك بنشاط — لاكتشاف المعرفة الروحية، لتنظيم حياتك، ولتأخذ الخطوات نحو تجربة والتعبير عن هدف أعظم في الحياة، والذي سيكشفه لك العالم أكثر من أي شيء آخر.
هنا تكتسب علاقة أعظم مع العالم، علاقة أعظم مع نفسك، وعلاقة أعظم مع الآخرين. وهذه العلاقات الأعظم هي التي تنهي الانفصال بداخلك، والتي تظهر أنك متصل حقًا بالحياة وبحياة أعظم خارج هذا العالم. هذا ينهي الانفصال في كل الاتجاهات. يؤسس علاقات فوقك وتحتك وحولك، في نفس الوقت.
هكذا تعمل خطة الرب. ليست تنقية الفكر. ليست مجرد التخلص من الأنا. لأنه كلما أعطيت المزيد من الاهتمام لأناك، كلما أصبحت أقوى. إنها تحب الاهتمام؛ إنها تعيش على الاهتمام والاستثمار. هنا يمكنك أن تنحرف عن طريقك الحقيقي وتقضي حياتك تحاول تحقيق هدف لا يمكنك تحقيقه بنفسك.
لأنه يتطلب استسلامًا أعظم، ليس لإله بعيد أو قوة بعيدة، ليس لمعلم روحي، ليس لفكرة أو مجموعة معتقدات، بل للتيار الأعمق في حياتك، وهو هنا ليأخذك إلى مكان ما ويعدك للعيش في العالم بطريقة مختلفة جدًا.
لقد أرسل الرب رسالة جديدة إلى العالم لتوضيح هذه الأشياء، ولتقدم الخطوات إلى المعرفة الروحية. هناك مسارات أخرى للمعرفة الروحية تم تأسيسها بمرور الوقت في العالم، والكثير منها قوي جدًا وأصيل. لكن قد يكون من الصعب جدًا العثور عليها. وأولئك الذين يعلمونها ليسوا في الساحة العامة وقد يكون من الصعب جدًا العثور عليهم. لهذا السبب أرسل الرب الخطوات إلى المعرفة الروحية في العالم، لتصبح مسارًا للناس الذين لا يستطيعون العثور على أي طريق آخر والذين يحتاجون إلى بركات وقوة المعرفة الروحية في حياتهم اليوم.
رسالة الرب الجديدة تكشف أيضًا عن مصير البشرية داخل مجتمع أعظم من الحياة الذكية في الكون، وكيف يجب أن تعد البشرية نفسها للموجات العظيمة من التغيير القادمة إلى العالم، بينما يمر كوكبكم بتغير بيئي.
لفهم هدفك، يجب أن تفهم السياق الذي سيعبر فيه، ولهذا السبب الانسحاب الدائم من العالم غير منتج جدًا.
يجب أن تتعرف على ظهور البشرية في مجتمع أعظم من الحياة والتهديد العظيم للحرية البشرية الموجود في العالم اليوم من قبل تلك القوى من الكون التي هنا لاستغلال بشرية ضعيفة ومنقسمة. ويجب أن تتعرف على الموجات العظيمة من التغيير القادمة إلى العالم: التدهور البيئي، نضوب الموارد، الطقس العنيف، تغير المناخ، تزايد عدم الاستقرار الاقتصادي والسياسي، وتهديد الحرب والصراع. أنت هنا لتكون جزءًا من كل هذا، لذلك يجب أن تتعرف على حالة العالم وما هو قادم في الأفق، والذي لا يمكن أن يقدمه إلا وحي من الرب.
لمعرفة من أنت ولماذا أنت هنا، يجب أن تفهم أين يقف العالم وإلى أين يتجه. يجب أن تفهم بيئتك لتعرف ما يجب أن تفعله في الحياة، بشكل صحيح وحكيم. أنت هنا لخدمة العالم، لذلك يجب أن تفهم العالم بوضوح أعظم، موضوعية أعظم وشجاعة أعظم. لا يمكنك أن تكون منفصلًا وتكون في علاقة في نفس الوقت.
المعرفة الروحية ستدخلك في ارتباط أعظم مع الحياة ومع العالم ومع نفسك. لكن يجب أن تأخذ الخطوات إلى المعرفة الروحية، ويجب أن تنظم حياتك، ويجب أن تعد نفسك لانخراط أعظم مع العالم، لأن هذا هو سبب مجيئك. وهذا هو ما ستفكر فيه بمجرد أن تغادر هذا العالم.
قوة وحضور المعرفة الروحية معك. لقد كانت دائمًا معك. يجب أن تبدأ الآن في الشعور بتيارها الأعمق، في التعرف على علاماتها، في الاستجابة لتشجيعاتها وقيودها، في التخلي عن أفكارك ومعتقداتك لخدمة قوة أعظم تعيش بداخلك في هذه اللحظة والتي ستحملك إلى الأوقات العظيمة وغير المؤكدة القادمة.




