كل شخص يشعر بالغضب والإحباط. هناك العديد من العوامل التي تخلق الإحباط وتُولِّد الغضب. بالتأكيد، تَخيُّب التوقعات هو أحد الأسباب. عرقلة رغباتك أو كبحها هو سبب آخر. وعدم الرغبة أو القدرة على التعبير عن مشاعرك الأعمق هو سبب ثالث للغضب والإحباط. كما ترى، يمكن التخفيف من هذه الأسباب الثلاثة والعمل عليها بمرور الوقت، غالبًا بمساعدة الآخرين، وأحيانًا بمساعدة مهنية.
بالتأكيد، يمكن تخفيف تأثير خيبة أمل رغباتك، اعتمادًا على كيفية تعاملك مع رغباتك ومدى صدق هذه الرغبات. من أين تأتي داخل نفسك؟ هل هي مجرد أمنيات؟ هل هي احتياجات عاطفية أو تعلقات؟ أم أنها تمثل حاجة أعمق بداخلك؟
تخيُّب توقعاتك هو ببساطة جزء من الحياة. هناك أشياء كثيرة ليست رائعة كما تتوقعها. على سبيل المثال، متعة الامتلاك قصيرة جدًا، وسرعان ما يتم استبدالها بعبء الامتلاك. يمكن للحب والرومانسية أن يتحولا بسرعة إلى صعوبة في إقامة علاقة صادقة وذات معنى مع شخص آخر، بناءً على هدف أعظم في الحياة وتوافق شخصي. بالتأكيد، ستكون توقعاتك عن نفسك مخيبة للآمال عندما تجد نفسك غير قادر أو غير راغب في تحقيق هذه التوقعات.
لذلك، فإن وجود توقعات مخيبة هو ببساطة جزء من الحياة، ويمكن أن يكون ناضجًا جدًا إذا فهم الشخص هذا بشكل صحيح، وإذا استطاع إعادة تقييم توقعاته ليرى ما هو واقعي وما هو غير واقعي، وما يمكن تحقيقه حقًا وما لا يمكن. هل تمثل هذه التوقعات مجرد انبهارات العقل أو خيالاته، أم أنها تمثل احتياجات نفسية أو عاطفية أعمق، أو حتى أبعد من ذلك، هل تمثل حاجة أعمق للنفس؟
تنتج صعوبة التعبير عن المشاعر من عوامل عديدة: الكبت داخل النفس، والتكييف الاجتماعي، والمسؤولية الاجتماعية. يتطلب الأمر عمرًا كاملًا لتعلم كيفية التعرف على التجارب الأعمق لديك، واختبارها، والتعبير عنها بطريقة بناءة. بينما قد تفرض عليك ثقافتك أن تتصرف بطريقة مهذبة ولطيفة، إلا أن هذا لا يعكس تجربتك الأعمق. لذلك، يجب على المرء أن يجد طرقًا لتعلم كيفية التعرف على تجربته الأعمق وإيجاد طرق للتعبير عنها بشكل بنَّاء.
لكن في حديثنا اليوم، سنتحدث عن سبب أعمق للغضب والإحباط، سبب أعمق لا يمكن حله ببساطة من خلال العمل على نفسيتك وديناميكياتك الشخصية. لأنه بينما قد تخفف من توقعاتك، وتخفف من رغباتك، وتتعلم طرقًا بناءة للتعبير عن مشاعرك الأعمق مع الآخرين أو مع أشخاص معينين، يبقى هناك سبب أعمق للغضب والإحباط. إذا لم يتم التعرف على هذا السبب الأعمق ومعالجته، فسيتعين على المرء أن يعيش باستمرار مع نقص الإشباع والاعتراف على مستوى أعمق. وسيؤدي هذا إلى نوع من الغضب والإحباط غير العقلاني للغاية.
حتى لو تعلمت أن تعيش حياة بتوقعات قليلة جدًا، حتى لو كنت منفتحًا ومتسامحًا، فستظل لديك هذه الحاجة الأعمق، هذه القضية الأعمق التي يجب معالجتها. حتى لو تعلمت بمرور الوقت ومن خلال مواقف تعليمية صعبة كيفية التعرف على مشاعرك الأعمق والتعبير عنها مع أشخاص معينين بطريقة بناءة، فستظل لديك هذه الحاجة الأعمق، هذا الإحباط الأعمق بداخلك. حتى لو خففت من مواقفك ومعتقداتك، حتى لو أصبحت مرنًا جدًا ومتعاطفًا، متسامحًا جدًا – وهي جوانب مهمة بالطبع – حتى لو طورت هذه الصفات بمرور الوقت وبجهد كبير، فستظل لديك هذه الحاجة الأعمق، هذا الإحباط الأعمق وسبب أعمق للغضب.
لذلك، بينما من المهم معالجة مشكلة الغضب والإحباط على مستوى ديناميكياتك الشخصية ونفسيتك، وعلى مستوى رغباتك وتوقعاتك وحاجتك للتعبير عن نفسك بفعالية مع الآخرين، إلا أن هناك نداءً أعمق هنا.
إذا كنت لا تعيش الحياة التي من المفترض أن تعيشها حقًا، فستشعر بعدم الرضا. حتى لو خلقت ظروفًا رعوية، حتى لو وضعت نفسك في حياة مليئة بالراحة والمتعة الجمالية، فستشعر بعدم الرضا الشديد. إذا كنت لا تعيش وتفعل ما أتيت إلى هنا لتعيشه وتفعله، حسنًا، فإن تحسين بيئتك أو التلاعب بنفسيتك لن يكون كافيًا لمواجهة الاستياء العميق والإحباط الذي ستشعر به تجاه حياتك.
هنا يجب أن يكون هناك صدق أعظم. يمكنك الادعاء بأنك تعيش هدفًا أعظم، وأنك تفعل حقًا ما أتيت إلى هنا لتفعله. يمكنك أن تقول هذا لنفسك. يمكنك طمأنة الآخرين بهذا. يمكنك إقناع نفسك بالإيمان بهذا. ولكن إذا كنت تشعر بالإحباط باستمرار، وسريع الانفعال، وسريع الانزعاج، فيمكنك أن تتأكد من أن هناك حاجة أعمق بداخلك لم تتم تلبيتها.
الخطوة الأولى هنا هي أن تدرك أنك جئت إلى العالم لهدف أعظم. لم تظهر ببساطة على الشاطئ يومًا ما، كحادث بيولوجي، أو نوع من الخطأ في الكون، أو أن هذا مجرد المكان الذي وجدت نفسك فيه. هناك هدف أعظم لوجودك هنا. لكن هذا الهدف محفوظ بعمق داخل نفسك في وعي أعمق.
لا يمكنك فهمه بفكرك. إنه ليس معتقدًا أو مجموعة من المعتقدات. إذا كنت صادقًا حقًا مع نفسك، فيجب أن تعترف حقًا بأنك لا تعرف ما هو هذا الهدف. ربما تكون قد خطوت خطوات في الاتجاه الصحيح. ربما تكون بعض الأشياء قد استقرت في حياتك. ربما تكون قد حققت تقدمًا حقيقيًا. لكنك لا تستطيع أن تقول بشكل قاطع ما هذا لأنه ليس تعريفًا. إنه ليس فكرة. إنه ليس معتقدًا. إنه ليس إعلانًا.
إذا كنت تسير في الاتجاه الصحيح، فستشعر بصدى أعمق داخل نفسك. إذا لم تكن كذلك، فستشعر بانفصال عن نفسك، نوع من الجدار العظيم بين عقلك الواعي وحقيقتك الأعمق.
وبينما قد تحاول أن تبقى محفزًا من الخارج – منشغلًا بحياة مشغولة، بالانخراط المفرط مع الآخرين، بجدول زمني مليء – فأنت لا تزال تواجه هذا الجدار بداخلك. يبدو الأمر كما لو كنت تعيش على سطح العقل وليس لديك أي فكرة عما يكمن تحت السطح.
هذه هي المأساة للعديد من الناس. إنهم يعملون بجد ليكون لديهم حياة جيدة. إنهم يبذلون الكثير من الجهد لمحاولة الحصول على العلاقات والممتلكات والفرص لأنفسهم، ومع ذلك لم يتمكنوا من تجاوز هذا الحاجز العظيم داخل أنفسهم الذي يمنعهم من الشعور بتحرك واتجاه أعمق في حياتهم.
لذا، حتى لو كانوا ناجحين بمصطلحات العالم، وحققوا العديد من أهدافهم، وكانوا ناجحين بينما فشل الآخرون، وحققوا استقرارًا ماليًا أو حتى ثراءً، فهم غير معروفين لأنفسهم. إنهم يعتقدون أنهم عقولهم وأفكارهم ومعتقداتهم ومواقفهم وجوانبهم النفسية. إنهم يتعرفون على السطح، لكن ليس لديهم إحساس حقيقي بأنفسهم.
لذلك، بغض النظر عما يحصلون عليه لأنفسهم، فإن متعهم صغيرة، وإحباطهم عـظيم، ويعملون مثل العبيد للحصول على هذه الأشياء. وكما هو الحال غالبًا، فإنهم غير صادقين مع أنفسهم ومع الآخرين لمحاولة تحقيق مكاسب، أو لمحاولة الظهور بمظهر جيد، أو لمحاولة كسب الموافقة والتأييد.
نتيجة لذلك، حياتهم هي نوع من الخداع. إنها غير حقيقية. كل هذا من أجل العرض. إنهم يتعرفون مع ممتلكاتهم، مع منزلهم، مع وظيفتهم، مع مكانتهم الاجتماعية. ليس لديهم إحساس حقيقي بأنفسهم، وللأسف هذا يحد بشكل عظيم من قدرتهم على تجربة أي نوع من التقارب مع أي شخص أو أي شيء في الحياة.
لذا فهم يعيشون في نوع من الفقاعة، فقاعة مهددة بسهولة بعالم متغير وبالتغيرات العظيمة التي ستأتي إلى العالم في المستقبل. سعادتهم متقطعة وقصيرة الأمد ومهددة بسهولة بالحياة من حولهم.
حتى لو تبنوا وجهًا سعيدًا، وسلوكًا سعيدًا، إلا أن هناك إحباطًا يغلي في داخلهم. إنهم يحاربون الاكتئاب. إنهم يحاربون الصراع الداخلي ليظهروا وجهًا سعيدًا للعالم لأنهم لم يتواصلوا حقًا مع من هم، ولماذا هم هنا في العالم، والاتجاه الأعمق الذي من المفترض أن تسير فيه حياتهم وكان من المفترض دائمًا أن تسير فيه.
إذا اختار الناس طريقًا آخر، ففي النهاية يصبحون ضائعين لدرجة أن العودة تبدو شبه مستحيلة. لكن الرب قد وضع ذكاءً أعمق داخل كل شخص، ذكاءً يُدعى المعرفة الروحية. وهو يعرف طريق العودة، لأنه لم يتركك أبدًا، ولا يزال يحمل هدفك الأعظم في الحياة. حتى لو كنت في التسعينات من عمرك وعشت حياة كاملة، فإنه لا يزال يحمل هدفًا أعظم لك.
ولكن كلما تقدمت في العمر، يجب أن تكون مستعدًا للتراجع. يجب أن تكون مستعدًا لإلغاء ما خلقته. يجب أن تكون مستعدًا لتحدي ومساءلة وحتى التخلي عن المعتقدات والمواقف التي حملتها لفترة طويلة. يجب أن تغير موقفك مع أصدقائك وأسرتك، الذين قد لا يفهمون أو يعترفون أو يدعمون محاولتك لاستعادة اتصال حقيقي بحياتك الأعمق. إنه صعب جدًا إذن. ليس مستحيلًا، لكنه صعب.
إنه مثل لعبة الساخن والبارد. إذا كنت صادقًا مع نفسك، تصبح حياتك أكثر دفئًا وصدى. إذا استمررت في الحفاظ على أفكار خاطئة عن نفسك وإعطاء نفسك لأشياء لن تقود حياتك في الاتجاه الذي من المفترض أن تسير فيه، فستصبح حياتك أكثر برودة. ستصبح أكثر عبودية لرغباتك. ستصبح أكثر اضطرابًا مع العالم، وستصبح أكثر اضطرابًا مع الآخرين، وستصبح أكثر اضطرابًا مع نفسك.
المعرفة الروحية بداخلك يمكن أن تعيدك، لكنها ستستغرق وقتًا. ولن تكون سهلة لأن عليك أن تلغي الكثير، سواء في حياتك الخارجية أو داخل عقلك. هذا يتطلب شجاعة وقوة وعزيمة. يجب أن تواجه الشدائد وخيبة الأمل من الآخرين. يجب أن تواجه عدم اليقين داخل نفسك. سوف تشك في نفسك، وتساءل إذا كنت تفقد عقلك.
“ماذا أفعل بحياتي حتى لا أريد أن أفعل الأشياء التي كنت أفعلها؟ لا أريد أن أفعلها بعد الآن. لقد سئمت من العلاقات السطحية التي لا معنى لها. لقد سئمت من كوني عبدًا، أحاول الحصول على أشياء قليلة القيمة. روحي جائعة. إنها محتاجة. إنها بحاجة إلى اتصال حقيقي مع الناس. إنها بحاجة إلى حياة ذات معنى وأنا لا أعيش تلك الحياة. حياتي هي تظاهر. إنها تكيف مع الآخرين. إنها تضحية من أجل الثروة أو الجمال أو المكاسب.“
هناك حساب صعب حقًا عندما تدرك أن حياتك ليست حقًا كما يجب أن تكون. أنت لا تعيش الحياة التي من المفترض أن تعيشها. أنت غير صادق مع نفسك. لقد ذهبت بعيدًا ويجب أن تجد طريقك للعودة الآن.
لقد ضعت في العالم. لقد أسرك. لقد شكلك. لقد أقنعك أن تكون بطريقة معينة، أن تتصرف بطريقة معينة، أن تلبّي متطلبات اجتماعية معينة، أن تلبّي توقعات أسرتك أو ثقافتك أو دينك أو كل ما سبق. وأنت تشعر بالضياع.
بطريقة ما، لم تعد تستطيع التخلص من هذا الشعور. لا يمكنك أن تفقد نفسك في التحفيز المستمر. لا يمكنك أن تفقد نفسك في وظيفتك. لا يمكنك أن تفقد نفسك في السعي وراء الرومانسية. لا يمكنك أن تفقد نفسك في هواياتك أو انبهاراتك لأنك في الأساس لست على ما يرام مع نفسك. وإذا لم تكن على ما يرام مع نفسك، فأنت لست على ما يرام مع الأشخاص الذين تكون معهم. أنت لست على ما يرام مع ظروفك. كل شيء غير متزامن لأنك غير متزامن.
وأنت محبط. ولديك نوع من الغضب الذي لا يبدو أنه مرتبط بأي شيء محدد. يمكن تحفيزه بخيبة الأمل. يمكن تحفيزه بعدم قدرتك على التعبير عن نفسك. يمكن تحفيزه بخيبة الأمل في العالم. لكنه في الحقيقة شيء آخر. إنه أكثر جوهرية وأكثر استمرارًا داخلك.
يمكنك أن تقول لنفسك، “حسنًا، أنا أعيش حياة رائعة. لدي الكثير من المزايا، أو على الأقل أنا أفضل حالًا من هؤلاء الأشخاص هناك. يمكن أن تحدث لي أشياء أسوأ بكثير، لذا يجب أن أكون ممتنًا. يجب أن أكون شاكرًا”، لكن في الداخل، هناك شيء مفقود حقًا. ولا يمكنك إقناع نفسك بغير ذلك لأنك لست على ما يرام مع نفسك. أنت لا تعيش الحياة التي من المفترض أن تعيشها.
بينما يبدو الآخرون راضين، أو ربما، بشكل أكثر دقة، مستسلمين لظروفهم، يبدو أنك لا تستطيع فعل هذا بعد الآن. لا يمكنك ببساطة أن تستسلم وتقول، “حسنًا، إن الأمر حقًا بخير. هذه هي الحياة. هذا ما يجب أن أفعله”، لأنه ليس صادقًا. لا يهم أن يبدو الجميع راضين إلى حد ما. إنه اعترافك الداخلي.
يبدو الأمر كما لو أن الرب قد أمسك بك، وأنت سمكة، ويستغرق وقتًا طويلاً ليجذبك لأنك بعيد جدًا. أنت مقاوم جدًا. وأنت تقاتل، وتكافح، والرب يجذبك. لكنك تقاتل، وتكافح، وتحاول الذهاب إلى مكان آخر. أنت ملتزم للغاية بحياة ليست حياتك الحقيقية.
من المهم جدًا أن تواجه هذا لأن الحياة في الخارج ستستمر في كونها محبطة ومخيبة للآمال. وسوف تستمر في مواجهة صعوبة في التعبير عن نفسك مع الآخرين. لكن يجب أن تتصالح مع هذا وتواجه هذا السؤال: “هل أنا أعيش حقًا الحياة التي من المفترض أن أعيشها؟ ليس التي أريد أن أعيشها، بل التي من المفترض أن أعيشها، التي يجب أن أعيشها.”
إذا لم تكن متأكدًا، فأنت بحاجة إلى الاستمرار في السؤال. اسأل نفسك: “هل سأكون راضيًا عن عيش بقية حياتي في هذه الظروف ومع فهمي وقيمي الحالية؟” إنه في الحقيقة نفس السؤال ولكن بكلمات مختلفة. “هل أنا حقًا أحقق قدراتي وإمكاناتي الأعظم هنا؟ هل أنا أفعل حقًا ما أرسلني الرب إلى العالم لفعله؟ هل أنا مرتبط حقًا بالأشخاص المناسبين؟ هل أنا في المكان المناسب، منخرط في الأنشطة المناسبة؟“
هذه الأسئلة متشابهة جدًا لأنها تحاول اختراق واقع أعمق داخل نفسك وطرح أسئلة أساسية جدًا عن حياتك. قد لا يكون لديك إجابة على هذه الأسئلة على الفور، لكن حقيقة أنك تطرحها وتستمر في طرحها، هذا هو المهم.
هذه الأسئلة ليست ألعابًا فكرية. ليست أسئلة يمكنك الإجابة عليها ببساطة ببيان أو جملة أو تعريف. إنها استفسارات. إنها استكشافات.
يبدو الأمر كما لو كنت تبحث عن الذهب. القطع ليست ملقاة على السطح، وأنت تلتقطها ببساطة. سيتعين عليك الحفر للعثور عليها. هنا يجب أن تحفر داخل نفسك. خذ وقتًا من جدولك المزدحم والمتعب وابدأ في الاهتمام بهذا النوع من الأسئلة.
لذا فإن أول شيء يجب أن تفهمه هو أنك وُلدت لهدف أعظم. الشيء الثاني الذي يجب أن تفهمه هو أن المعرفة الروحية، هذا الذكاء الأعمق الذي وضعه الرب بداخلك، تعرف هذا الهدف وتحتفظ به لك – في انتظار الوقت الذي ترغب فيها، وتساعدك على الاستعداد لها، وتوجهك وتحميك من أجل هذا الهدف الأعظم.
إنه ليس فهمًا فكريًا. لن تسير كل يوم وأنت مقتنع تمامًا بأنك تعرف لماذا أنت هنا وما الذي تفعله لأنه ليس هكذا. يجب أن تعيش هذا. إنه يكشف عن نفسه بينما تعيشه. يريد الناس الإجابة قبل أن يقوموا بالتحقيق. يريدون أن يعرفوا ما ستكون النتيجة قبل أن يشاركوا. إنه ليس هكذا.
إنه مثل القيام برحلة، رحلة لم تخلقها لنفسك، رحلة كانت تنتظرك لفترة طويلة جدًا. تقوم بها لأنك يجب أن تعرف الحقيقة عن حياتك.
ربما تكون قد تذوقت ما يكفي من الحزن والمتعة في هذا العالم لتدرك أنها مجرد أذواق ولا تمثل من أنت وما أنت عليه حقًا؛ أنك لا يمكن أن تكون راضيًا عما يحاول الآخرون أن يكونوا راضين عنه؛ أنك لست في العالم لمجرد أن تكون مستهلكًا، جَرَادًا على العالم، تستهلك كل ما تراه؛ أن هناك حقًا هدفًا أعظم لمجيئك ووجودك هنا.
لن تكتشف هذا دفعة واحدة. سوف تكتشفه على مراحل. وكل مرحلة ستتطلب منك تعديل حياتك، وتوقعاتك، ورغباتك، ومحاولاتك للتواصل مع الآخرين.
حتى يكون لديك حقًا تجربة أعمق لنفسك وهدفك الأعظم هنا، حتى مشاعرك لن يكون لها أي معنى بالنسبة لك. لن تعرف حتى ما تريد أن تقوله للناس. لا يمكنك ببساطة أن تعبر عن الإحباط. هذا نوع من التدمير؛ إنه غير سار. لا يمكنك أن تصرخ على الناس لأنك منحت نفسك الحرية في التعبير عن الغضب والإحباط. هذا لن ينجح.
لذلك يجب أن تقوم بهذا العمل الداخلي، كما ترى، لأنه إذا لم تفعل ذلك، فستكون مجرد شخص غاضب ومحبط سواء كنت غنيًا أو فقيرًا. وسيُسقط غضبك على العالم، وعلى الآخرين، وعلى الحكومات، وعلى السياسة، وعلى الدين – تنفجر هنا، تنفجر هناك، بينما في الداخل، أنت في الأساس لست على ما يرام مع نفسك، تعيش حياة غير حقيقية، تعيش حياة تكيف مع الآخرين، تنازل.
بالطبع، ستكون محبطًا. بالطبع، ستكون غاضبًا. كيف يمكن أن تكون غير ذلك؟ لا يمكنك ببساطة أن تتأمل طوال اليوم وتكون في سلام إذا لم تكن على ما يرام مع نفسك.
أن تكون على ما يرام مع نفسك هو أن يكون لديك تجربة مستمرة، تجربة مستمرة للاتجاه بحركة أعمق في حياتك. إنه ليس مجرد تمرين نفسي تقوم فيه بالتلاعب بأفكارك أو مشاعرك وفجأة تجد نفسك في مكان هادئ ولطيف. ولا يهم إذا حققت حالة من السلام في واقع آخر ولكنك لا تزال غير قادر على العمل هنا بنجاح. ما الفرق الذي ستحققه؟
تتأمل لساعات كل يوم وتدخل في حالة هادئة وساكنة رائعة، وتكون منفتحًا جدًا، ولكن بمجرد أن تعود، حسنًا، أنت لا تزال نفس الشخصية المحبطة – تواجه خيبة الأمل، تواجه صعوبة في التواصل مع الآخرين، توقعات فاشلة، رغبات فاشلة، تواصل فاشل. لديك كل هذه المشاكل، كما ترى.
لذلك، إذا كنت تبلي حسنًا على مستوى آخر من الوعي، حسنًا، إذا لم يكن يترجم حقًا إلى قدرة أعظم هنا، فما الفرق الذي يحدثه؟ هل ستنسحب إلى الدير لبقية حياتك؟ تحاول أن تعيش في النعيم؟ هذا ليس السبب الذي جئت من أجله.
ما يتم تقديمه هنا هو أساسي جدًا لإحساسك بالرفاهية، لإحساسك بالنزاهة، وللحصول على تجربة حقيقية لنفسك وإحساس بأن حياتك تتحرك في اتجاه أعظم. لم يكن لدى الناس هذه التجربة بشكل كافٍ ليروها حقًا في مقابل كل شيء آخر يفعلونه.
إذا لم تجرب أبدًا أن حياتك تتحرك حقًا في اتجاه أعمق أو أعظم، فستحاول ببساطة أن تعيش حياتك بناءً على رغباتك ورغبات الآخرين. ستكون سعيدًا بأن تكون جزءًا من القطيع، وستعيش حياتك تأكل العشب.
سبب المعاناة على مستوى أعمق، على مستوى أكثر جوهرية، وليس فقط على السطح، له علاقة بعدم قدرة الشخص أو عدم رغبته في استكشاف ومواجهة واقع وهدف حياته الأعظم.
يمكنك القول إن المعاناة هي نتيجة التعلق. حسنًا، التعلق بالأشياء الخارجية يخلق المعاناة، لكن الإجابة ليست كاملة. أن تصبح غير متعلق قد يجعلك أكثر حرية بعض الشيء، لكنه لا يجيب على السؤال الأساسي عن من أنت ولماذا أنت هنا، وما الذي تفعله وما الذي تكرس نفسك له.
لا يمكنك ببساطة أن تنسحب من الخارج، تبحث عن السلام، لأنه على مستوى نفسك، ستظل حاجة نفسك غير ملباة. ستظل غير راضٍ. ستظل محبطًا. ورغبتك في السلام تشبه نوعًا من الهروب.
كل العمل الضخم الذي تم بذله لإحضارك إلى العالم. أن تكون هنا وتريد فقط المغادرة لا يحقق هدفك، ولا هدف أولئك الذين أحضروك إلى هنا. لقد أُرسلت إلى العالم لتعطي هدايا محددة في مواقف محددة، تتعلق بأشخاص معينين. إذا كنت تريد فقط الهروب، أن تكون سعيدًا، أن تكون في سلام، أن تتجنب التحديات والصعوبات في الحياة، حسنًا، أنت لا تحقق هدفك.
يمكنك أن تكون في سلام عندما تغادر هذا العالم. لكنك جئت إلى هنا لتساهم، لخدمة، ليس فقط للاستثمار في سعادتك. وكم ستكون غير صادق مع نفسك في سعيك وراء السعادة. سترغب فقط في رؤية أشياء معينة. سترغب فقط في سماع أشياء معينة تدعم سعيك وراء السعادة. لن ترغب في رؤية المعاناة. لن ترغب في رؤية الصراع. لن ترغب في رؤية معظم حقائق الحياة هنا. لن ترغب في مواجهة الأسئلة الصعبة حقًا عن حياتك. لن ترغب في القيام بأي عمل حقيقي داخل نفسك أو العمل في العالم، وتسعى الآن فقط إلى الراحة.
هذا ليس سبب وجودك هنا. لا تضيع حياتك في محاولة تأمين السعادة على حساب الهدف الأعظم الذي جاء بك إلى هنا، لأنك لن تجد هذه السعادة. وسيتبعك الفشل مثل الظل. وسيكون الغضب والإحباط رفيقيك.
اتخاذ خطوات المعرفة الروحية هو بدء رحلة العودة، البدء في العودة، والعثور على طريقك إلى ما هو أساسي، إلى ما هو حقيقي. وسيتعين عليك القيام بهذه الرحلة لأن الإجابات أو التفسيرات وحدها لن تكفي.
سيتعين عليك إلغاء ما قمت بإنشائه إلى حد ما لأنه أخذك بعيدًا عن نفسك، وعن هذا الهدف الأعظم الذي يمثل خيطًا يمر عبر حياتك. لا يمكنك تغيير هذا الهدف. كيف سيتم التعبير عنه في العالم يعتمد على أشياء كثيرة، ليس أقلها ما تعترف بأنه مهم وما تسعى إليه في الحياة.
لذلك لديك مصير هنا. هذا لا يعني أن كل ما يحدث لك يمثل قدرًا أو أنه يحدث لسبب ما. أنت من لديه الهدف، وليس الأحداث. أنت تنعش الأحداث بالهدف الذي تحمله لها، وليس بما تعتقد أنه هدفها لك.
الكثير من الناس مرتبكون بشأن هذا. سيقول الناس إن كل ما يحدث في الحياة يحدث لسبب. هذا يبدو مفعمًا بالروحانية. يبدو روحيًا جدًا أن تقول ذلك، لكنه ليس صحيحًا على الإطلاق. كل شيء يحدث. ما هو هدفك؟
هدفك هو ما يحدد ما تقيمه. يحدد ما تبحث عنه داخل نفسك والآخرين. يحدد ما تبحث عنه وتسعى إليه في الحياة. يحدد كيف تقيم نفسك، والآخرين، وظروفك، والعالم ككل.
في جوهر الأمر، لديك خياران فقط فيما يتعلق بهدفك. لديك الهدف الحقيقي، الذي يبقى أن يتم اكتشافه، واختباره، والتعبير عنه في حياتك، ثم لديك كل البدائل الأخرى لهذا. وهناك تنوع عظيم في هذه البدائل، لكنها في الأساس كلها محاولات لفعل شيء آخر، أن تكون شيئًا آخر، أن تحصل على شيء آخر. لذلك بينما تبدو مختلفة جدًا عن بعضها البعض، إلا أنها في الحقيقة كلها متشابهة، وتؤدي إلى نفس النوع من المعاناة والانفصال داخل نفسك.
يمكن للناس أن يقولوا، “أوه، حسنًا، أنا جندي” أو “أنا فنان” أو “أنا موسيقي” أو “أنا سياسي” أو “أنا مزارع” أو “أنا رجل أعمال”، “أنا طبيب”، أيا كان. هناك قائمة طويلة. السؤال بعد ذلك: “هل هذا حقًا ما أتيت إلى هنا لتفعله؟” إذا كان الأمر كذلك، فأنت على الطريق الصحيح. إذا لم يكن كذلك، فأنت تخدع نفسك وتتخلى عن حياتك.
لا يوجد مساومة هنا مع الواقع. لا يمكنك عقد صفقة مع المعرفة الروحية. “حسنًا، سأعطيك القليل إذا أعطيتني هذه الأشياء التي أريدها.” لا يحدث الأمر هكذا. لا يمكنك عقد صفقة. يمكنك إما أن تتصل بحياتك الداخلية وتتعلم اتباع توجيهاتها واتخاذ خطوات المعرفة الروحية، أو ستحاول مواصلة سعيك اليائس لتحقيق الإنجاز الشخصي، ومحاولة جعل الانفصال يعمل، ومحاولة خلق نفسك، طوال الوقت تفوت ما تم خلقه بداخلك ومن أجلك.
هذه هي الوصفة الكبيرة. إنها ليست مثل تناول حبة والشعور بتحسن لبضع ساعات. إنها ليست مجرد تكيف نفسك مع العالم بطريقة تجعله يزعجك أقل. قد يكون من الضروري بالطبع القيام بهذه الأشياء، لكنها مؤقتة. إنها ناجحة جزئيًا فقط. لا يزال لديك أسئلة كبيرة للتعامل معها، الأسئلة التي يجب أن تعيش معها ولا يمكنك الإجابة عليها.
لأن الإجابة على هذه الأسئلة هي اختيار اتجاه في الحياة وعيش تلك الحياة واتخاذ تلك الحياة، خطوة بخطوة. هذه هي الإجابة. ليس الإعلان أنك تعيش هدفك الأعلى أو “هذا هو ما أنا عليه حقًا. هذا هو ما من المفترض أن أكون.” الناس يفعلون ذلك طوال الوقت، وهو مجرد شكل آخر من أشكال التحويل وتجنب الذات.
عندما تتصل حقًا بالتيار الأعمق لحياتك، سيكون غامضًا جدًا. لا يمكنك تعريفه. تقول، “حسنًا، أعرف أنني يجب أن أفعل بعض الأشياء” أو “أشعر أنني يجب أن أذهب إلى هذا المكان” أو “أشعر حقًا أنني بحاجة إلى أن أكون هنا أفعل ما أفعله” ولا يمكنك تفسيره للناس. لا يمكنك إعطاءه هدفًا ساميًا، تعريفًا ساميًا. أنت ببساطة تفعل الخطوات التالية التي يجب عليك فعلها. وأنت تفعل ذلك بأفضل ما لديك من قدرة.
هذا كل شيء لأن هذا غموض. سيتعين على الفكر أن يواكب ويتعلم أن يثق بهذا. إنه ليس تحت السيطرة الآن. سيتعين عليك التحكم في حياتك الخارجية ومشاعرك إلى حد عظيم، لكنك تعيش حياة أعظم، حياة خارج نطاق الفكر.
بعض الناس لا يستطيعون فعل هذا. يجب أن يفهموا كل شيء. يجب أن يتحكموا في كل شيء. يجب أن يتناسب كل شيء مع التعريفات. إنهم عبيد لعقولهم، لمعتقداتهم، مدفوعين أساسًا بعدم الأمان، غير قادرين أو غير راغبين في مواجهة غموض وعدم اليقين في الحياة، غير راغبين في المخاطرة، غير راغبين في فعل أي شيء جريء. إنهم يعيشون مثل مستعمرة من الغرير. سوف يحفرون حفرة ويعيشون هناك، يخرجون رؤوسهم بين الحين والآخر، ينظرون حولهم، ويعودون إلى الداخل.
لديك الحرية لتعيش حياة أعظم، ولديك الحرية لتعيش حياة أقل. ولكن إذا اخترت أن تعيش حياة أقل، فلا تتوقع الرضا. لا تتوقع الانسجام داخل نفسك. لا تتوقع أن تكون في علاقات ذات معنى حقًا مع الآخرين. لا تتوقع أن تكون ملذاتك واستمتاعاتك طويلة الأمد، أو حتى أكثر من لحظية. لا تعتقد أن الحصول على الممتلكات، والثروة، والأشخاص، والقوة سوف يرضي أي شيء داخل نفسك.
ستكون الحياة محاولة يائسة ومحبطة مع لحظات من المتعة والراحة هنا وهناك. هذا ما يمكنك توقعه. إذا كان هذا جيدًا بالنسبة لك، فيمكنك اختيار الحياة الأقل، ولن تكون مخيبة للآمال بالنسبة لك.
ولكن إذا كنت تبحث عن علاقات حقيقية مع الآخرين، إذا كنت تبحث عن العثور على قوتك وقدرتك، إذا كنت تبحث عن تحقيق مصيرك الأعظم هنا، فأنت تختار مسارًا مختلفًا جدًا. وهذا المسار المختلف هو الذي يحمل كل وعود حياتك.




